بيكاريا Beccaria الموسوم باسم: " Trattato dei delitti e delle pene" (١٧٦٤) الذي وصف لنا محك الأخلاق وهدفها La massima felicita divisa nel maggior numero أو كما أورد هلفيتيوس - بشكل أوضح - في كتابه عن الروح " De l'Esprit … " ١٧٥٨:
" النفعية هي أساس كل الفضائل البشرية وأساس كل التشريعات … فكل القوانين يجب أن تتبع مبدأ واحدا - منفعة العامة - أي أكبر عدد من الناس يعيشون في ظل الحكومة نفسها"
إن بنثام لم يفعل أكثر من تقديم صيغة كمية لوصية الكتاب المقدس أحب لجارك ما تحب لنفسك لقد كان إنجازه هو تطبيق مبدأ السعادة القصوى على قوانين إنجلترا. لقد أصبح لديه الآن حقيقة أخلاقية فكرتها واضحة وأصبح لديه معيار يمكن به الحكم على وصايا المبشرين وتحذيرات المعلمين ومبادئ الأحزاب وقوانين المشرعين ومراسيم الملوك. فلا يجب أن يقدم القانون كليات غامضة (باطنية) كالحقوق طبيعية أو جماهيرية أو مقدسة (إلهية) ولا يجب عليه أن يقدم وحيا أوحاه الله إلى موسى أو محمد أو عيسى، ولا عقوبات بقصد الثأر.
فكل اقتراح تشريعي يجب أن يجيب عن هذا السؤال: ما هو الأفضل أو ما هو الأصلح؟ ما هو الأصلح للفرد أو للأقلية أو للكثرة أو للجميع؟ فالقانون يجب أن يكيف نفسه مع الطبيعة البشرية التي لا سبيل لتغييرها ومع القدرات المحدودة للبشر ومع الحاجات العلمية للمجتمع، ولابد أن يكون واضحا ويسمح بالتنفيذ أو التطبيق العملي والمحاكمة العاجلة والحكم الحازم والعقوبات الصحيحة والإنسانية. ولهذه الغايات كرس بنثام الفصول العشرة الأخيرة من كتابه والسنوات الأخيرة من حياته.
وفي هذه الأثناء راح يطبق معياره هذا على القضايا المثارة في أيامه. لقد أيد آراء الفزيوقراطين في مبدأ عدم التدخل الحكومي في الشؤون الصناعية وإدارة الشؤون العامة Politics إلا في الحدود الدنيا، فالفرد هو - بشكل عام - أفضل من يجيد الحكم فيما يحقق سعادته ولا بد من تركه حرا في نطاق ما هو مقبول اجتماعيا، وعلى أية حال لا بد أن يشجع المجتمع المؤسسات الخيرية التي يتنازل أعضاؤها عن جانب من حريتهم لتوحيد الجهود لخدمة قضية عامة. وانطلاقا من المبادئ نفسها دافع بنثام عن حكومة التمثيل الغيابي فهي الأفضل مع كل أخطائها ومفاسدها.