وعندما اندفع نابليون ابن الثورة وجنرالها في إيطاليا (١٧٩٦)، وكأنه ريح غربية عاصفة، وأخرج الجيوش السردنية (جيوش سردنيا) والنمساوية من بيدمونت ولومبارديا، رحب به كل الإيطاليين تقريبا باعتباره قائداً إيطاليا يقود جنودا فرنسيين لتحرير إيطاليا. ورغم ما واجهه من عصيان مسلح في بافيا وجنوى وفيرونا فقد كان في مقدوره - لفترة - أن يتصرف في الدول والإمارات الإيطالية كما لو كانت قد استسلمت له بغير شروط، وعلى هذا ففي شهري يوليو وأغسطس سنة ١٧٩٧ دمج كلا من ميلان ومودينا Modena وريجيو إيميليا Reggio Emilia وبولونيا وجانبا من سويسرا، ليجعل منها كيانا مختلطا هو الجمهورية السيزالبية Cisalpine Republic (الجمهورية القريبة من جبال الألب والمحيطة بها)، وقدم لها دستورا كدستور فرنسا الثورة.
وقد أبهجت ليبراليته في فترة حكمه الأولى في شمال إيطاليا أحلام السكان المحليين بالحرية. وقد اعترف الزعماء المحليون بعد أن لانت عريكتهم بالوظائف الشرفية، وألقاب الفخامة التي وزعها عليهم نابليون، بأنه في قارة يقتسمها الذئاب لا بد من ذئب أو آخر كحامٍ لإيطاليا، وإن أفضل ذئب يمكن اختياره هو الذي يتحدث الإيطالية بطلاقة، ويخفف أعباء الضرائب، ويضبط الأمن بقوانين متنورة. لكن زيادة التشريعات الثورية ضد الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا صدمت عواطف الإيطاليين، فقد ثبت لهم أن دينهم أغلى بالنسبة إليهم من التحرر السياسي الذي يضطهد في ظله قسسهم، ويتنسم المرء في ثناياه مذابح سبتمبر.
وفي ١٣ يناير ١٧٩٢ هاجمت الجماهير في روما ممثلاً دبلوماسياً للحكومة الفرنسية، مات في اليوم التالي من فرط ما أصابه على أيدي هذه الجماهير. وقد خلق هذا أزمة جديدة للبابا بيوس السادس الذي كان يعاني بالفعل من مرسوم التسامح (١٧٨١) الذي أصدره جوزيف الثاني في النمسا. لقد وجد البابا نفسه الآن في مواجهة مصادرة الثورة الفرنسية لممتلكات الكنيسة وفي مواجهة الدستور المدني للإكليروس (رجال الدين) الصادر في ١٢ يوليو سنة ١٧٩٠. ولأن هذا البابا كان قد نشأ على الاحترام الكامل للتراث