وربما ألغى الأستاذ (بيتهوفن) بشكل غير معلن الجهود الكلاسيكية ليقدم لنا شكلا موسيقيا خالدا (دائما) لمعنى محجوب أو جمال هائل (لا حد له). لقد اعترف باستسلامه وراح يمرح في ثروته غير النظامية - ثروة خياله ومنابع فنه السخية. وفي النهاية عاد أسير تحديات الشباب، وادخر للموسيقى أغنية شيلر Schiller التي لم تكن - حقيقة - مجرد أغنية مرحة، وإنما كانت حربا مرحة سعيدة ضد الحكم المطلق وضد البعد عن القيم الإنسانية:
- واجهوا الملوك بأرواح ملؤها الرجولة
- حتى لو كلفنا هذا ثرواتنا وأرواحنا
- ففي دمار التيجان حياة لما هو أجدر
- الموت لهم جميعا - إنهم ذوو دماء كاذبة
(أو يسري الكذب فيها)
لقد راح بيتهوفن الآن بعد اكتمال أعماله الكبرى ووصوله لأوج اكتمال فنه الموسيقي يتطلع إلى فرصة لتقديمها للجمهور، لكن روسينى Rossini كان قد فتن النمسا في سنة ١٨٢٣ بالإضافة إلى أن متذوقى الموسيقى البنادقة Viennese أصبحوا الآن مفتونين بالأنغام الإيطالية فأحجم مديرو الفرق الموسيقية المحليون عن المخاطرة بتقديم عملين موسيقيين يتسمان بالصعوبة مثل موسيقى القداس التي أسماها بيتهوفن (Missa Solemnis) ، والسيمفونية الكورالية. وعرض منتج من برلين على بيتهوفن تقديمها فأوشك على قبول العرض، إلا أن مجموعة من عشاق الموسيقى على رأسها أسرة ليشنوفسكى Lichnowsky حذرت مؤلف فيينا الموسيقي البارز من اللجوء إلى عاصمة منافسة لفيينا لعزف آخر أعماله وأكثرها بهاء، وتعهدت بعزفها على مسرح كير نتنيرثور Karntnerthor، وبعد مساومات شاقة من كل الأطراف تحدد ميعاد الحفل الموسيقي في ٧ مايو ١٨٢٤ ببرنامج ثم تكييفه على وفق المتاح من الإمكانات: مستهل موسيقي، وأربعة أجزاء من موسيقى القداس Missa Solemnis والسيمفونية التاسعة مع كورس ألماني جهير، ولم يستطع المغنون الوصول إلى المستوى المرتفع للنوتة الموسيقية، فحذفوا ما لم يستطيعوا أداءه، واستقبل الجمهور موسيقى