ويجب أن ننوِّه في هذا الصَّدد أن الاستقلال النسبي لهذه الدول الفُرادى كان يسمح باختلاف الأشكال والأنماط، ويُثير المنافسة، ويتيح حرية التجريب والتفكير بقدر قد يفوق ما هو موجود في عاصمة مركزية لدولة كبيرة. لقد كان الوضع بالنسبة إلى هذه الدويلات الألمانية في هذه الفترة شبيهاً بما كان في إيطاليا في عصر النهضة (الرينيسانس Renaissance Italy) . ألم تكن مدن ألمانيا القديمة - التي كانت لا تزال متفردة على هذا النحو الجذاب، لتفقد حيويتها وطبيعتها إذا ما تم إلحاقها ببرلين سياسياً وثقافياً، كما حدث بالنسبة لمدن فرنسا عندما أصبحت تابعة لباريس؟ وهل لو كونت كل أجزاء ألمانيا كياناً واحداً مشكِّلةً أمة موحّدة - صارت قلباً لأوروبا غنياً بالسكان والمواد يبزّ كل ما بقي من أوروبا على نحوٍ لا يُقاوم؟
لقد كانت الدول الألمانية بمعنى واحد ناقصة الاستقلال: لقد قبلت هذه الدول أن تكون أعضاء في الإمبراطورية الرومانية المقدسة التي كانت قد بدأت - أي هذه الإمبراطورية - في سنة ٨٠٠ م بتتويج البابا لشارلمان الذي يشير إليه الألمان بأنه their own Frankish Karl der Grosse، وفي سنة ١٨٠٠ م الإمبراطورية شملت العديد من الولايات الألمانية الباهرة والمتنوعة، وكان أهم هذه الدول الألمانية المكوّنة للإمبراطورية الرومانية المقدسة هي تسعة دول ناخبة electoral أي دول تنتخب الإمبراطور: النمسا، وبروسيا، وبافاريا Bavaria، وسكسونيا، وبرونسفيك - لوينبورج Brunswick-Luneburg، وكولوني Cologne ومينز Mainz وهانوفر وتريير Trier (تريفز Treves) ،
ويأتي في المقام الثاني سبعة وعشرون كياناً ذو طابع روحي أو ديني يحكم كل منها أسقف (مطران) كاثوليكي على نحو يذكِّر بالحكم الأسقفي للمدن في الإمبراطورية الرومانية الغربية التي انتهت منذ ألف عام، وهذه الكيانات الروحية (ذوات الصبغة الدينية) هي: أرشبيشوبية سالزبورج archbishopric of Salzburg (لفظ الأرشبيشوب يعني كبير الأساقفة - والأرشبيشوبيَّة هي مقر كبير الأساقفة) وفي سالزبورج هذه عاش موزارت. أما الأسقفيات (حيث في كل منها أسقف بيشوب) فهي: مونستر Munster ولييج Liege وفيرتسبورج Wurzburg وبامبرج Bamberg وأوسنابروك Osnabruck وبادربورن Paderborn وأوجسبورج Augsburg وهايلدشيم Hildesheim وفولدا Fulda وسبير Speyer وريجنسبرج Regensburg (راتيسبون Ratisbon) وكونستانس Constance وفورمز Worms ولوبك