دوراً طويلا عنيفاً من التدريب الفني، قَلَّ أن تقاضوا على فنهم أجراً أكثر مما كان يتقاضاه الصناع من أجور؛ وإن شاءت لهم الأيام مرة أن يجيئهم شيء من ثراء، راحوا يبددونه في إسراف مستهتر، ثم لم يلبثوا بعدئذ أن يعودوا إلى فقرهم الطبيعي الذي ترتاح إليه نفوسهم (٥٠)، أما من حيث النشاط والذوق والمهارة، فلم يكن يدانيهم إلا أرباب الفن من أهل مصر القديمة واليونان في عصورها الوسطى.
إن حياة الشعب نفسها كانت تتخللها علائم الفن - تراها في نظافة بيوتهم وجمال ملابسهم، وظرف حليهم، وإقبالهم إقبالاً فطرياً على الغناء والرقص؛ ذلك لأن الموسيقى - كالحياة - جاءت إلى اليابان من الآلهة نفسها؛ ألم تُغَن "إيزانامي" في جوقات جمعية عند خلق الأرض؟ ونقرأ عنهم أن الإمبراطور "إنكيو" عزف على آلة موسيقية بعد ذلك بألف عام، وقامت الإمبراطورة ترقص لعزفه، وكان ذلك في مأدبة إمبراطورية سنة ٤١٩، أقيمت احتفالاً بافتتاح قصر جديد؛ ولما مات "إنيكو" أرسل أحد ملوك كوريا ثمانين موسيقاراً ليعزفوا في جنازته، فعلم هؤلاء العازفون أهل اليابان آلات موسيقية جديدة وأنغاماً جديدة - بعضها من كوريا، وبعضها من الصين، وبعض ثالث من الهند - ولما نُصِب الـ "دايبوتسو" في معبد "تودايجي" في نارا (٧٥٢) عزفت موسيقى الأساتذة من الصين في احتفال التنصيب؛ ولا يزال "بيت المال" الإمبراطوري في نارا يعرض علينا الآلات التي استخدمت في تلك الأيام السوالف، وكان الغناء والإلقاء، وموسيقى القصر وموسيقى الرقص في الأديرة، هي الضروب الرفيعة الموقرة من الموسيقى، أما الأنغام الشعبية فكانوا يعزفونها على آلة يسمونها "بيوا""أي قيثارة" أو على آلة يطلقون عليها "ساميزانة" و (هي آلة ذات ثلاثة أوتار)(٥١)، ولم يكن لليابانيين نوابغ في التأليف الموسيقي، ولا كان لهم كتب في الموسيقى، وتآليفهم الموسيقية الساذجة