للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحيدا غير آمن مع نفسه - إلى الكنيسة يرتمي في أحضانها لتكون له بيتا مريحا. لقد تخلى فريدريش شليجل أمهر أنصار الاتجاه العقلي وأكثر الشباب تحمسا للفردية (الاتجاه الفردي) ودعوة إليه، وأكثر الثوار تطرفا - تخلى الآن عن كل هذا موليا ظهره لفولتير، وموليا ظهره للوثر وكالفن ليرتمي في أحضان أوربا في العصور الوسطى يأخذ عنها ويستلهم منها ويتحرق شوقا لكنيستها القابضة على زمام كل الأمور. لقد حزن للتخلي عن الميثولوجيا الملهمة (الحكايات الأسطورية) وإحلال العلم البائس محلها وأعلن أوضح عجز وأكبر نقص تعانيه كل الفنون الحديثة تتمثل في الحقيقة التي مؤداها أن الفنانين لم يعد أمامهم ميثولوجبا يستلهمون منها.

وربما كانت أبحاثه في آداب الهند القديمة وميثولوجيتها قد عمقت احترامه للميثولوجيا. وكان قد بدأ في باريس سنة ١٨٠٢ هذه الدراسات التي بلغت ذروتها، ووضعت أساسا لتطور هذا النوع من الدراسات فيما بعد تجلت في كتابه (لغة الهند وحكمتها Uber die Sprache und Weisheit der Inder) الذي ساهم في تأسيس علم فقه اللغة المقارن في نطاق اللغات الهندو أوربية. وناقش فريدريش هذا الجانب من حياته مع أخيه الذي انضم إليه لفترة في فيينا في سنة ١٨١١، واستحضر أوجست في ذهنه عمله مع كريستيان هاين Heyne في مجال فقه اللغة (الفيلولوجيا)، فواصل عمله في هذا المجال وانضم إلى أخيه في دراسة اللغة السنسكريتية، فأثمر هذا الاشتراك أفضل النتائج التي تمخضت عنه حياتهما، وأرسخها وأكثرها دواما.

لقد حقق فريدريش لنفسه مكانة في الحياة الثقافية والسياسية في فيينا، ووصل إلى منصب أمانة السر في الحكومة النمساوية، وساعد في كتابة هجوم عنيف على نابليون أصدره الأرشدوق كارل لودفيج كجزء من معركة سنة ١٨٠٩، وفي سنة ١٨١٠ وسنة ١٨١٢ ألقى في فيينا محاضرات شهيرة متميزة في التاريخ الأوربي والأدب في أوربا، وفي هذه المحاضرات عرض نظرياته في النقد الأدبي وقدم تحليلا كلاسيكيا للرومانسية.

وفي سنة ١٨٢٠ أصبح محرراً لصحيفة الجناح اليميني الكاثوليكية وهي صحيفة كونكورديا Concordia وراح في هذه الصحيفة يهاجم الأفكار والمعتقدات التي طالما كان قد دافع عنها بحماس في أثناء الأيام التي قضاها في يينا Jena مما