شيئا من قسوتهم ليؤثر في أساليب الروس في العيش ونزوعهم الشديد إلى الكد والكدح والانضباط. لقد كان الانتخاب الطبيعي (البقاء للأصلح) يعمل عمله فيهم بلا رحمة ليبقي على قيد الحياة التواقين للعمل يزرعون الأرض ويحرثون النساء بلا كلل ولا ملل، وقد جعل بطرس الأكبر من بعضهم جندا وملاحين، وجلب من أتوا بعده المغامرين الألمان، والتشيك المهرة، ودفعت كاترين الجيوش الكبيرة والجنرالات المغرورين ليتوغلوا جنوبا دافعين التتار والترك أمامهم فاستولوا على القرم Crimea وأبحروا منتصرين في البحر الأسود.
واستمر التوسع في عهد إسكندر الأول، واستقر الروس في ألاسكا وأقاموا حصنا بالقرب من سان فرانسيسكو وأسسوا مستعمرة كاليفورنيا، لقد جعل المناخ القاسي لروسيا الأوربية - حيث لا جبال ولا غابات تحميها من برد القطب الشمالي - من الشعب الروسي شعباً شديد البأس يمكنه تحقيق المستحيل إذا وجد الخبز وأتيح له الوقت. وفي ظل هذه الظروف كان من الممكن أن يكون الروس قساة لأن الحياة قاسية عليهم، وكان من المفهوم أن يكونوا معذبين للأسرى والسجناء، ذباحين لليهود. لكنهم لم يكونوا جامدين يتعذر تغيير طباعهم، فقد أثرت الحياة الآمنة فيهم بشكل متزايد فصاروا أرق حاشية وأتقى، وراحوا يتعجبون لم قتلوا؟ ولم كانوا آثمين؟ وراحوا ينظرون إلى العالم الثائر المضطرب غير المفهوم باستغراب شديد وصل بهم إلى حد الهذيان.
إلا أن الدين هدأ من عجبهم ولطف من حدة اضطرابهم. لقد قام رجال الدين هنا بدور الجيش الروحي لدعم قوة القانون بقوى أخرى باطنية مستمدة من الميثولوجيا لإعطاء القانون بعداً باطنيا أو لشرحه وتفسيره، وللترغيب والترهيب، تماما كما فعل رجال الدين في المراحل الأولى في مجتمعات غرب أوربا. وكان القياصرة يعلمون أهمية هذه الميثولوجيا وحيويتها لتحقيق الانضباط الاجتماعي وحث العامل على أداء عمله بصبر، والتشجيع على التضحية بالنفس في الحرب والسلم. فدفع القياصرة مرتبات عالية لرجال الدين من ذوي الرتب الكنسية العليا، ودفعوا لرجال الدين ممن هم أقل درجة مرتبات كفيلة بإعاشتهم