لحاكم مطلق يحكم الروس. وعندما خافت كاترين من التطورات التي حدثت في مسار الثورة الفرنسية لم تعد معجبة بفولتير وديدرو، وأبعدت لاهارب (١٧٩٤) عن تولي مهمة الإشراف على تعليم إسكندر، فعاد إلى سويسرا ليقود ثورة هناك. ووجد إسكندر أن الواقع في البلاط وفي جاتشينا Gatchina يختلف بشكل مربك عن مناقشات الفلاسفة ومثاليات روسو. لقد أصابه الرعب لتشابك القضايا التي تواجه الحكومة وتعقدها، وربما ضاع منه التفاؤل الذي علمه إياه لاهارب La Harpe واكتأب لموت جدته (كاترين). لقد كتب في سنة ١٧٩٦ لصديقه المقرب الكونت كوشبي Kochubey:
إنني مشمئز للوضع الذي أجد نفسي فيه. إنه بعيد جدا عن طبيعتي التي تتلاءم على نحو أكثر مع حياة السلام والهدوء. فحياة البلاط لا تصلح لي. إنني أحس بالبؤس أن أكون وسط مثل هؤلاء الناس (رجال البلاط) … وفي الوقت نفسه أجدهم يشغلون أعلى المناصب في الإمبراطورية. وباختصار يا صديقي العزيز فأنا أدرك أنني لم أولد لأشغل منصبا عاليا ذلك المنصب الذي أشغله الآن بل إنني أقل من المنصب الذي ينتظرني في المستقبل، وقد أقسمت بيني وبين نفسي أن أتخلى عنه بطريقة أو بأخرى … إن أمور الدولة مضطربة تماما، فالابتزاز والاختلاس في كل مكان، وكل الوزارات والإدارات تدار بشكل سيء … ورغم كل هذا فلا هم للإمبراطورية سوى التوسع، وعلى هذا أيمكنني أن أدير الدولة، بل أيمكنني ما هو أكثر من هذا - أعني إصلاحها والقضاء على الشرور المتأصلة فيها؟ أظن أن هذا يفوق طاقة أي عبقري في البال بشخص مثلي ذي قدرات عادية.
إنني بعد أن وضعت كل هذا في اعتباري إتخذت قراري الذي ذكرته لك آنفا. إن خطتي هي التخلي عن العرش (لا أستطيع أن أقول متى) وأن استقر مع زوجتي على شواطئ الراين لأعيش حياتي الخاصة كمواطن أستمتع بصحبة الأصدقاء ودراسة الطبيعة.
إلا أن الحظ أتاح له خمس سنوات ليكيف نفسه مع متطلبات منصبه. لقد تعلم كيف يقدر العناصر البناءة في الحياة الروسية: المثالية والإخلاص المستوحيان من المسيحية، والاستعداد لتبادل تقديم المساعدة (التعاون)، والشجاعة وتحمل المشاق الناتجة عن الحروب