والآنف ذكره)، وكان حاكم الجزيرة الإنجليزي يرسل يوميا الوجبات الغذائية لنابليون ومن معه، وكان يمكنهم طلب طعامهم في حدود لا يتعدونها.
واعتاد الإمبراطور أن يأكل بمقادير ضئيلة حتى الساعة الثامنة مساء (المعنى: لا يتناول وجبته مرة واحدة) ثم يتناول هو ومن معه عشاءهم بتروّ مما يجعله - بعد العشاء - مستعدا للنوم. وكان نابليون قد أحضر معه من فرنسا أدوات مائدة مُترفة غالية الثمن، وكان يستخدمها بانتظام بل لقد سمعنا أنه جلب معه سكاكين وملاعق وشوكات من ذهب. أما الأطباق فكان غالبها من خزف سيفر Porcelain Sevres (سيفر مدينة فرنسية). وكان الخدم يرتدون ملابسهم الرسمية الخضراء المحلاة بالذهب كاملة. وكان لا كاس مبهورا بأناقة أدوات المائدة والطريقة الممتازة التي تنظّم بها موائد الطعام لقد استمر الإتيكيت etiquette الذي كان معمولا به في التوليري Tuileries في لونجوود.
وسمح نابليون لأصدقائه المخلصين بالحديث معه بكثير من الصراحة لكنه لم يُزل الكلفة بينه وبينهم، فقد كانوا دوْما يشيرون إليه في حديثهم بالإمبراطور، وكانوا يخاطبونه بصاحب العظمة، وكانت الخطابات التي توجه إليه كجنرال لا يتم فضّها، وكان على الزوّار أن يخاطبوه كإمبراطور أو أن يمكثوا بعيدا عنه (لا يخاطبونه) وكانت هناك بعض الصعوبات ومسبّبات السخط، فقد استوطنت الفئران في منزل الإمبراطور، بل وحتى في قبعته، وكانت تجري حول أرجل المائدة وهو يتناول طعامه، ولم تكن البراغيث ولا البّق لتميز بين الخادم والإمبراطور. لقد تذمّر لاكاس قائلا:"لقد أكلتنا هذه الحشرات بكل معنى الكلمة"،
وكان الضباب المسبب للكآبة يَعُم المنطقة يوما بعد يوم، وكان الماء يسقط أحيانا وافتقد الإمبراطور حمامهُ الدافئ. وأدت المراقبة الدائمة - مهما كانت مهذّبة أو من بُعد - إلى اعتكاف يشبه اعتكاف الرهبان في الدير، ومما جعل هذا مقبولا رتابة الحياة في هذا المكان. لكن في أي مكان آخر يُتاح لسجين أن يكون له هذا العدد من الأصدقاء والخدم وحصان وعربة خفيفة وكل الكتب التي يمكنه استخدامها؟ باختصار لقد كان سجنا محتملا أكثر مما يتوقع أي سجين خاصة بعد أن هرب من مكان احتجازه السابق وبعد أن كلف ملايين الجنيهات الإسترلينية والضحايا لإعادة القبض عليه. لقد سارت الأمور بشكل معقول حتى وصل السير هدسون لو.