الناس جميعاً إلا معاصريه يكبرونه:"لقد تمت بالفعل قصة الجمال، لأنه تبدى منحوتاً في المرمر الذي تراه في البارثنون، ولأنه مُوَشَّى على هيئة الطير في المروحات التي رسمها "هوكوساى" على سفح فيوجي ياما"(٩١).
وإنا لنرجو ألا يكون هذا القول صواباً، لكنه كان هو الصواب في رأي اليابان القديمة وإن لم تصرح به؛ وماتت اليابان القديمة بعد "هوكوساى" بأربعة أعوام، ذلك لأنها عاشت حياة وادعة رخية في عزلتها البعيدة، فنسيت أن الأمة لا بد أن تساير العالم إذا أرادت ألا يستعبدها المستعبدون، فبينما كانت اليابان في شغل من نحتها للمدليات وزخرفتها للمروحات بالزهر، كانت أوربا تنشئ علماً لم يكد يعلم الشرق عنه شيئاً، وأخيراً تمكن ذلك العلم الذي قام بناؤه على مر الأعوام في المعامل التي يبدو في ظاهرها أنها في عزلة بعيدة عن مصطخب الحياة الجارية، تمكن آخر الأمر من تزويد أوربا بالصناعات الآلية التي أتاحت لها أن تصنع لوازم العيش بثمن أرخص مما تصنعها به آسيا على أيدي مهرة صناعها الذين كانوا يصنعونها بأيديهم، وإن تكن تلك المصنوعات الآلية أقل جمالاً من زميلاتها اليدوية؛ فقد كان لا بد لتلك السلع الرخيصة- عاجلاً أو آجلاً- أن تكتسح أسواق آسيا، فتنزل الخراب الاقتصادي وتغير من الحياة السياسية، في بلاد كانت تمرح مطمئنة في مرحلة الصناعة اليدوية؛ وأسوأ من ذلك شراً أن العلم قد صنع المفرقعات والمدمرات والمدافع، التي تستطيع أن تكون أشد فتكاً من سيف أشجع "السيافين"، فماذا تجدي شجاعة الفارس أمام فزع القنبلة التي لا يعُرف اسم راميها؟
ولن تجد في التاريخ الحديث أروع ولا أعجب من الطريقة التي استيقظت بها اليابان من نعاسها استيقاظاً جازعاً على صوت مدفع الغرب، فوثبت تتعلم الدرس، وأصلحت صنع ما تعلمت صنعه، وأفسحت صدرها للعلم والصناعة والحرب، ثم هزمت كل منافسيها في ميدان الحرب وميدان التجارة معاً، وباتت خلال جيلين أكثر أمم العالم المعاصر تحفزاً للعدوان.