قرنين حيث ساد السلام فتطرَّت خشونة "السيافين" وضعف احتمال الشعب لمكاره الحروب وتضحياتها؛ وحلَّت في الناس نزعات أبيقورية (ترمي إلى التمتع) محل البساطة الرواقية التي كانت سائدة في عهد هيديوشي؛ فلما أن دعيت البلاد فجأة لحماية سيادتها، وجدت نفسها منزوعة السلاح بمعناه المادي والخلقي جميعاً؛ وانحل العقل الياباني بفعل اعتزالها الاتصال بالأجانب، وأخذ الناس يسمعون بتطلع قلق عن ازدياد الثروة وتغير المدنية في أوربا وأمريكا؛ وراح هؤلاء الناس يدرسون ما جاء بكتابي "مابوشي" و "موتو - أوري" وشاع بينهم في الخفاء أن الحكام العسكريين مغتصبون للحكم، وقد فككوا باغتصابهم ذاك استمرار سيادة الإمبراطورية، ولم يستطع الشعب أن يوفق بين الأصل الإلهي للإمبراطور، وبين فقره المدقع الذي فرضته عليه أسرة "توكوجاوا"؛ وجعل الدعاة إلى قلب نظام الحكم العسكري القائم، يخرجون من مكانهم في "يوشيوارا" وغيرها ويغمرون البلاد بنشراتهم التي تحرض الناس على ذلك الانقلاب، وإرجاع الإمبراطور للحكم.
ونزلت النازلة على رأس هذه الحكومة المرتبكة الفقيرة، حين شاع النبأ سنة ١٨٥٣ بأن أسطولاً أمريكياً قد تجاهل الأوامر اليابانية التي تحرم دخول خليج أوراجا، ودخل ذلك الخليج، وأن قائده يلح في مقابلة صاحب السلطة العليا في اليابان، والحقيقة أن "الكومودور بري" كان يقود أربع سفن حربية فيها خمسمائة وستون رجلاً، وبدل أن يعرض هذه القوة المتواضعة عرضاً فيه معنى التهديد، أرسل مذكرة ودية إلى الحاكم العسكري "أييوشي" يؤكد له أن الحكومة الأمريكية لا تطلب أكثر من فتح بضعة موان يابانية في وجه التجارة الأمريكية، واتخاذ بعض الإجراءات لحماية البحارة الأمريكيين الذين قد تتحطم بهم سفائنهم على الشواطئ اليابانية، ولم يلبث "بري" أن اضطر إلى العودة إلى قاعدته في المياه الصينية بسبب "ثورة تاي - ينج"، لكنه عاد إلى اليابان من جديد سنة ١٨٥٤ مسلحاً بقوة بحرية أكبر، ومزوداً