الجيش؛ وكلف رجال من الألمان بتنظيم شؤون الطب والصحة العامة، واستخدم الأمريكان في وضع نظام للتعليم العام، ولكي يتم لهم الأمر من جميع نواحيه جاءوا برجال من إيطاليا ليعلموا اليابانيين النحت والتصوير (٥)، وقد كان يحدث بعض الحركات الرجعية أحياناً، وكانت تصل هذه الحركات إلى حد إراقة الدماء، بل كانت الروح اليابانية كلها تثور آناً بعد آن على هذا التحول المصطنع الذي رج أوضاع الحياة كلها، لكن الآلة شقت طريقها آخر الأمر، ودخلت اليابان بلداً جديداً في نطاق الانقلاب الصناعي.
ورفعت هذه الثورة بالطبع (وهي الثورة الوحيدة الحقيقية في التاريخ الحديث)، طبقة جديدة من الرجال إلى منازل الثروة والقوة الاقتصادية - منهم الصناع والتجار والممولون - وقد كان هؤلاء في اليابان القديمة يوضعون في أسفل درجات السلّم الاجتماعي؛ وجعلت هذه الطبقة (البرجوازية) الصاعدة تستخدم في هدوء ما أتيح لها من مال وقوة نفوذ في تحطيم النظام الإقطاعي أولاً، ثم عقبت على ذلك بالحد من سلطة العرش العائدة بحيث جعلت منها سلطة وهمية؛ ففي عام ١٨٧١ حملت الحكومة أشراف الإقطاع على النزول عن امتيازاتهم القديمة، وعوضتهم عن أراضيهم بسندات أصدرتها الحكومة (١).
ولما كانت الطبقة الأرستقراطية قد ارتبطت هكذا بروابط المصلحة المادية مع المجتمع الجديد، فقد بذلت خدماتها للحكومة عن ولاء ورضى، ومكنتها من تحويل البلاد من عصرها الوسيط إلى عصرها الحديث دون أن تسفك الدماء في هذا السبيل، وكان "إيتو هيرو بومي" قد عاد لتوه من زيارته الثانية لأوربا؛ فجرى في بلاده على غرار ما رآه في ألمانيا، إذ أنشأ بها طبقة عالية جديدة مؤلفة من خمس درجات:
(١) كان هذا الإجراء يقابل في جوهره إلغاء النظام الإقطاعي وما يتبعه من عبودية في فرنسا سنة ١٧٨٩ وفي روسيا سنة ١٨٦٢، وفي الولايات المتحدة سنة ١٨٦٣.