والشيوعية تزداد اتساعاً، حتى هبت على البلاد روح الحرب سنة ١٩٣١، فنفخت في الناس وطنية دعتهم إلى التعاون والتماسك؛ وحرم القانون "الآراء الخطيرة"، وفرضت قيود شديدة على نقابات العمال التي لم تبلغ قط مبلغ القوة في اليابان (٢٠) واتسعت رقعة المساكن الفقيرة في أوساكا وكوبي وطوكيو، فقد كانت الأسرة ذات الخمسة أعضاء في طوكيو تسكن من تلك المنازل الفقيرة غرفة تبلغ في المتوسط من ثماني أقدام إلى عشرة أقدام مربعة - وهي مساحة لا تزيد إلا قليلاً عن المساحة التي يشغلها سرير لشخصين؛ وكان يسكن في أمثال هذه المساكن في مدينة كوبي عشرون ألفاً من المتسولين والمجرمين والشائهين والبغايا، كانوا يسكنون في قذارة بلغت حداً جعل الوباء يتفشى فيهم مرة كل عام، وزادت نسبة الوفيات في الأطفال أربعة أمثال ما كانت عليه في بقية اليابان (٢١)، ونهض شيوعيون مثل "كاتاياما"، واشتراكيون مسيحيون مثل "كاجاوا" يقاومون بالعنف أو باللين تلك الحالة السيئة، حتى استيقظت الحكومة آخر الأمر وقامت بحركة تطهيرية لتلك المساكن الفقيرة، لم يشهد التاريخ أعظم منها.
وقد كتب "لافكاديو هيرن" منذ جيل، يعبر عن رأيه الناقم على النظام الحديث في اليابان، فقال:
"إن التاريخ لم يشهد قط فيما مضى أمثال هذه الألوان من البؤس التي تجد مجالها في ظل النظام الجديد؛ وتستطيع أن تكوّن لنفسك صورة تقريبية عن هذا البؤس، إذا عرفت أن عدد الفقراء في طوكيو الذين يعجزون عن دفع ضريبة المسكن، يربو على خمسين ألفاً، ومع ذلك فهذه الضريبة لا تزيد قيمتها على عشرين "سنًّا" وهو ما يقابل عشرين "سنتا" بالعملة الأمريكية؛ ولم يكن في أي جزء من أجزاء اليابان مثل هذا العوز قبل أن تتراكم الثروة في أيدي نفر قليل - إلا إذا استثنينا بالطبع الأعقاب المؤقتة التي تلحق عهود الحرب"(٢٢).
ولاشك أن "تراكم الثروة في أيدي نفر قليل" عامّ في العالم كله، والظاهر