المفرطين في حرصهم، ازدادت تلك الحرب حدة لنمو الصناعة التي تعمل على إبراز شخصية الفرد، ونتيجة لإضعاف الإيمان الديني؛ فالانتقال من الريف إلى المدينة، وإحلال الفرد محل الأسرة باعتباره الوحدة القضائية المسئولة للمجتمع الاقتصادي والسياسي، قد قوض أركان السلطة الأبوية، وأخضع عادات القرون الطويلة وأخلاقها للحكم المتسرع الذي يحكم به المراهق على أمثال هذه الأمور؛ وكنت ترى الشباب في المدن الكبرى يثورون على نظام الزواج تحت إشراف الأبوين، وترى العروسين لا يجريان على مألوف العادات من حيث السكنى في بيت والد العريس، بل هما أميل إلى إنشاء بيت مستقل أو "شقة" مستقلة؛ هذا إلى أن سرعة تصنيع النساء قد حتم انحلال الروابط التي كانت تربطهن بالدار واعتمادهن في العيش على الرجال؛ والطلاق في اليابان قد كثر حتى شابه الحال في أمريكا، بل هو هناك أخف عاقبة منه في أمريكا، لأن الرجل قد يستطيع الطلاق بمجرد توقيعه على دفتر للتسجيل، ودفعه رسوماً تبلغ ما يساوي عشر "سنتات"(٢٧)، ولئن حرم القانون نظام الخليلات إلا أنه لا يزال قائماً فعلاً يتمتع به كل من تمكنه حالته المالية من تجاهل القانون (٢٨).
والآلة هي عدو رجل الدين في اليابان كما هي في سائر أنحاء العالم، ولما استوردت اليابان من إنجلترا أوضاعها الصناعية الفنية، استوردت معها "سبنسر" و "ستيورت مِلْ"، وبهذا أسدل الستار فجأة على سيادة المذهب الكنفوشيوسي في الفلسفة اليابانية، ولقد قال تشمبرلين سنة ١٩٠٥:"إن الجيل الموجود الآن في المدارس يتشكل على صورة فولتيرية واضحة المعالم"(٢٩)، ومن نتيجة هذا الاتجاه نفسه أن ازدهر العلم بارتباطه الحديث بالآلة، واكتسب في اليابان قلوب أعظم الباحثين في عصرنا هذا، بحيث انصرفوا إليه مخلصين