على نحو ما نعهده في اليابانيين من الولاء فيما يخلصون له (١)؛ فالطب في اليابان - على الرغم من اعتماده في معظم مراحله على الصين وكوريا - قد تقدم تقدماً سريعاً حين احتذى مثل الأوربيين واندفع بحافزهم، وخصوصاً الألمان؛ وإذا أردت أن تعلم مدى السرعة التي انتقلت بها اليابان من مرحلة التتلمذ إلى مرحلة الأستاذية التي أخذت تعلم فيها العالم أجمع، فانظر إلى ما عمله "تاكامين" في استكشافه للأدرنالين وفي دراسته للفيتامينات؛ وما أداه "كيتاساتو" في مرض التتنوس وفقر الدم، وفي تقدم التلقيح ضد الدفتريا؛ ثم ما عمله ألمعهم جميعاً وأشهرهم جميعاً، وهو "نجوشي" في مرض الزهري ومرض الحمى الصفراء.
ولد "هيديونجوشي" سنة ١٨٧٦ في إحدى الجزر الصغرى، من أسرة بلغ بها الفقر حداً جعل أباه يترك أسرته حين علم أن طفلاً ثانياً في طريقه إلى الحياة؛ وأهمل الوليد هذا إهمالاً جعله يسقط في مدفأة فاحترقت يده اليسرى حتى شاهت، وأوذيت يده اليمنى إيذاء كاد يفقد نفعها، فكان أن اجتنبه التلاميذ في المدرسة لما في جسده من وصمات وتشويه، وراح الناشئ يفكر في الانتحار، لكن جراحاً قدم إلى القرية حينئذ، وعالج له يده اليمنى علاجاً ناجحاً، واعترف "نجوشي" للجراح بالجميل اعترافاً جعله يقرر لتوه أن يكرس نفسه للطب؛ ومن أقواله عن نفسه سأكون نابليون ينقذ البشرية لا نابليون يفتك بها، إنني أستطيع الآن أن أعيش معتمداً على نعاس أربع ساعات في الليل" (٣٠)؛ وكان "نجوشي" مفلساً، فاشتغل في صيدلية حتى حمل صاحبها
(١) كان العلم في اليابان قبل ١٨٥٣ مستورداً معظمه من نتاج الوطن الأصلي نفسه؛ فالتقويم الياباني الذي كان فيما سبق معتمداً على أوجه القمر، قد أعيد حسابه بحيث يساير السنة الشمسية، على يدي كاهن كوري حوالي سنة ٦٠٤ ميلادية، ثم أدخلت تعديلات من الصين سنة ٦٠٨ ميلادية؛ واصطنعت اليابان - ولا تزال - طريقة أهل الصين في حساب الحوادث بردها إلى اسم الإمبراطور الذي وقعت في أيامه، وسنة توليه الحكم؛ وفي سنة ١٨٧٣ أخذت اليابان بالتقويم الجريجوري.