على رصد مبلغ من المال يتعلم به الطب؛ وبعد أن تخرج في الطب من الجامعة، ذهب إلى الولايات المتحدة وعرض خدماته على الهيئة الطبية في الجيش في واشنطن مقابل نفقاته؛ وهيأت له مؤسسة روكفلر للأبحاث الطبية معملاً، وشرع "نجوشي" يعمل وحده لا يشاركه أحد على الإطلاق في إجراء التجارب والقيام بالبحث العلمي، مما انتهى إلى أطيب الثمرات؛ فهو الذي أنتج أول عينة خالصة من جراثيم الزهري، وكشف عن أثر الزهري في الشلل العام وفي الشلل البطيء الذي يصيب حركة العضلات، وأخيراً استطاع في سنة ١٩١٨ أن يعزل طفيليّ الحمى الصفراء؛ فلما كسب الشهرة والثروة المؤقتة، عاد إلى اليابان، وكرَّم أمه العجوز، وجثا على ركبتيه أمام الصيدلي الذي أنفق على دراسته الطبيعية اعترافاً له بالجميل، ثم ذهب إلى أفريقيا ليدرس الحمى الصفراء التي كانت تفتك بساحل الذهب من أوله إلى آخره، فأصابته هذه الحمى ومات سنة ١٩٢٨؛ ومما يزيدنا حسرة على موته أنه لم يكن قد بلغ من العمر أكثر من اثنين وخمسين عاماً.
كان التقدم العلمي في اليابان - كما كان كذلك في الغرب - مصحوباً بانحلال في الفنون التقليدية؛ فتقويض الطبقة الأرستقراطية القديمة قد قوض عشاً كان يترعرع فيه حسن الذوق، وراحت الأجيال بعدئذ تتخذ لنفسها ما شاء لها هواها من معايير الجمال، بحيث يستقل كل جيل في معياره الذوقي عما سلفه؛ وتدفقت الأموال من البلاد الخارجية سعياً وراء المنتجات الوطنية، فأدى ذلك إلى الإنتاج السريع الذي يعني بالكم وحده، وانحطت مستويات الرسوم اليابانية تبعاً لذلك، فلما عاد الشارون إلى طلب المصنوعات القديمة، انقلب الصناع جماعة من المزورين، وأصبحت صناعة الآثار القديمة في اليابان - كما هي الحال في الصين - أروج الصناعات في الفنون الحديثة؛ ولعل جانب الصناعة الخزفية المعروف باسم Colisoune أن يكون الفرع الوحيد من فروع تلك الصناعة، الذي تقدم في اليابان منذ قدوم الغرب إلى