للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الأدب الياباني في الربع الأخير من القرن (التاسع عشر) فقد أفنى نفسه في سلسلة من ألوان المحاكاة، وتوالت على الطبقة المثقفة موجات الحرية الإنجليزية والواقعية الروسية والفردية النيتشية والبراجماتية الأمريكية، فاكتسحتها واحدة بعد واحدة، حتى عادت روح الوطنية فأكدت نفسها، وبدأ الكتاب اليابانيون يكشفون عن مادتهم القومية فيعبرون عنها بأساليبهم القومية؛ وقد ظهرت فتاة شابة تدعى "إيشي يو" فافتتحت حركة في كتابة القصة تنحو منحى المذهب الطبيعي قبل موتها سنة ١٨٩٦ وهي في عامها الرابع والعشرين، وذلك بتقديمها صورة ناصعة عن تعاسة النساء وذلهن في اليابان (٣٥)، وفي سنة ١٩٠٦ دفع الشاعر "توسون" هذه الحركة إلى أوجها بقصة طويلة عنوانها "هاكاي" أي عدم الوفاء بالعهد، قصَّ فيها بنثر شعري قصة معلم وعد أباه ألا يفضح عن نفسه حقيقتها وهي أنه من طبقة "إيتا" أي الطبقة التي انحدرت من أسلاف عبيد، وبهذا أتيح له بما كان له من قدرة وما ظفر به من تعليم أن يحتل مكانة عالية، فأحب فتاة مهذبة من ذوات المكانة الاجتماعية؛ وبعدئذ فار فورة صدق اعترف فيها بأصله، وتنازل عن حبيبته ومكانته، وغادر اليابان لغير عودة، فكانت هذه القصة عاملاً قوياً في تحريك النفوس تحريكاً انتهى آخر الأمر بإسدال الستار على العوائق التي لبثت طوال التاريخ مفروضة على طبقة "إيتا".

وكانت صورتا الشعر الموجز المعروفتان باسم "تانكا" و "بوكا" آخر صور الثقافة اليابانية استسلاماً للمؤثرات الغربية، إذ لبثتا أربعين عاماً بعد عودة الإمبراطور إلى عرشه الفعلي، هما الصورتين المنشودتين لقرض الشعر الياباني، وفني الروح الشعري في آيات معجزات من البراعة والصناعة، حتى كان عام ١٨٩٧، ظهر معلم شاب، هو "توسون" في "سنداي"، وباع لأحد الناشرين ديواناً من الشعر بخمسة عشر ريالاً، فجاء هذا الديوان بقصائده الطويلة ثورة تكاد تبلغ في عنفها مبلغ أية ثورة أخرى مما زعزع نسيج الدولة؛ وكان الشعب قد ملَّ الأقوال القصيرة الرشيقة، فأقبل على هذا