والنظام، وستبحث بحثاً عقلياً خالصاً في كل مشكلات حياتنا؛ ستحرر الطبقات المتعلمة من سلطان رجال الدين ومن الخرافة، وتحاول إقامة الأخلاق على أساس لا يعتمد في شيء على معونة ما فوق الطبيعة؛ وستنظر إلى الإنسان باعتباره مواطناً لا باعتباره "رعية"، وتهبه حريته السياسية وحقوقه المدنية، وتطلق له من الحرية العقلية والخلقية ما لم يسبق له نظير، ستخلق الديمقراطية خلقاً وتنشئ الفرد إنشاء؛ وستستأنف روما السير في هذه الثقافة فتنشرها في أرجاء الدول القائمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتحميها مدى خمسمائة عام من هجمات البرابرة، ثم تنقلها خلال الأدب الروماني واللغات اللاتينية إلى أوربا الحديثة؛ وسترفع المرأة إلى مراكز القوة والمجد والتحرير العقلي، التي ربما لم تكن قد ظفرت بها من قبل؛ وتقدم إلى أوربا تقويماً جديداً وتعلمها مبادئ النظام السياسي والأمن الاجتماعي، وتقيم حقوق الفرد على أساس ثابت من القوانين التي عملت على تماسك القارة الأوربية خلال قرون من الفقر والفوضى والخرافة.
وفي الوقت نفسه سيعود الشرق الأدنى ومصر إلى الازدهار مرة أخرى بحافز من التجارة والفكر اليونانيين والرومانيين، وستحيى قرطاجنة كل ما كان لصيدا وصور من ثروة ورفاهية؛ وسيجتمع "التلمود" في أيدي يهود مشتتين لكنهم ذوو ولاء؛ وسيزدهر العلم والفلسفة في الإسكندرية، وسيتولد من امتزاج الثقافتين الأوربية والشرقية دين أريد به أن يمحو الحضارة اليونانية والرومانية إلى حد ما، وأن يُبقي عليها ويضيف إليها إلى حد ما؛ إن كل العوامل كانت مهيأة لتنتج الفترات التي كانت بمثابة الذُّرى للعصور القديمة (الأوربية)، وهي أثينا في عهد بركليز، وروما في عهد أوغسطس، وأورشليم في عصر "هيرود"؛ وكان المسرح معَداً لمسرحية مثلثة الجوانب، قوامها أفلاطون وقيصر والمسيح.