بها فستوس التي ظل قصرها باقيا بعد ذلك فترة من الزمان. ثم أصاب فستوس ومكلوس، وجورنيا وبليكسترو، ومدناً أخرى كثيرة في الجزيرة، ما أصاب كنوسس من تخريب، فترى الفخار قد غطاء الرماد، والجرار الكبيرة في المخازن ملآى بالأنقاض. أما الطور الثالث من العصر المينوي الأوسط فطور ركود نسبي، وقد يكون هو الطور الذي اضطربت فيه أحوال البلاد الواقعة في جنوب البحر الأبيض المتوسط على أثر فتح الهكسوس مصر، ودام اضطرابها زمنا طويلاً (١).
وفي العصر المينوي المتأخر يبدأ كل شيء من جديد، فتتجدد آمال الإنسانية التي تصبر على كل بلوى، وتسري فيها روح الشجاعة، وتبدأ الحياة مرة أخرى، فتقوم قصور جديدة أجمل من القصور السابقة في كنوسس، وفستوس، وتليسوس، وحاجيا تريادا، وجورنيا، فتعمها الفخامة، وتكثر المباني ذوات الأطباق الخمسة، والنقوش البديعة، وتوحي المباني الفخمة بأن أحوال البلاد قد بلغت من الثراء ما لم تعرفه بلاد اليونان حتى عصر بركليز.
هنالك ترى دور التمثيل قد شيدت في أفنية القصور، وترى النساء والرجال يجالدون الوحوش لتسلية الرجال والسيدات؛ وهؤلاء لا تزال وجوههم الأرستقراطية اليقظة الهادئة حية في المظلمات البراقة الباقية على الجدران الجديدة. وتتضاعف حاجات الأهلين، وترق أذواقهم، وتزدهر الآداب، وتنشأ مئات من الصناعات، فيستطيع الفقراء أن يستمتعوا بالرخاء وهم يعملون ليمدوا الأغنياء بأسباب الراحة والنعيم. وترى أبهاء الملوك تدوي فيها أصوات الكتبة وهو يحصون السلع التي يوزعونها أو يتسلمونها، وأصوات الفنانين وهو ينحتون التماثيل، أو يرسمون الصور، أو يصنعون
(١) إذا أراد القارئ أن يعرف كم من سنين دام كل طور من هذه الأطوار فليرجع إلى ثبت الحوادث المسلسلة في أول هذا الباب.