قسم ثقافة كريت فيما بعد العصر الحجري الحديث وفي عصر ما قبل التاريخ ثلاثة عصور: العصر المينوي المبكر، والمينوي الأوسط، والمينوي المتأخر. ثم قسم كل عصور من هذه العصور إلى ثلاثة أطوار.
ويمثل أول ظهور النحاس- أي أبعد الطبقات التي ظهر فيها عن سطح الأرض- قيام حضارة جديدة قياماً بطيئاً من مرحلة العصر الحجري الحديث. وقبل أن يحل العصر المينوي المبكر كان الكريتيون قد عرفوا كيف يخلطون النحاس بالقصدير، وبدأ بذلك عصر البرنز، وفي الطور الأول من العصر المينوي الأوسط تظهر أقدم القصور: فيقيم أمراء كنوسس، وفستوس، وماليا Malia لأنفسهم مساكن مترفة كثيرة الحجرات، ومخازن واسعة، وحوانيت متخصصة، ومذابح وهياكل، ومجاري تبهر المتكبر الغربي المتعجرف، وتجعله يغض الطرف منها استحياء (١). ونرى الفخار ذا ألوان كثيرة براقة، والجدران تزينها مقرنصات ساحرة جميلة، ونرى نوعاً من الكتابة الحرفية قد تطور من الكتابة التصويرية التي كانت في العصر السابق.
وفي نهاية الطور الثاني من العصر المينوي الأوسط حلت بالبلاد كارثة عجيبة تركت ما يدل عليها في الطبقات الأرضية. فقد تهدم قصر كنوسس كأن الأرض قد انشقت فحطمته، أو لعل ذلك كان على أثر غارة قامت
(١) لما كان من المستطاع تحديد تاريخ أقدم الطبقات المحتوية على أدوات نحاسية في كنوسس بعام ٣٤٠٠ ق. م. أي منذ ٥٣٠٠ سنة من وقتنا هذا، وذلك بمقابلتها بآثار الحضارات المجاورة لها؛ وإذا كانت الطبقات المحتوية على أدوات من العصر الحجري الحديث في كنوسس تشغل نحو خمسين في المائة من سمك مجموع عمق الأرض من سطحها إلى الطبقات الصخرية، فقد قدر إيفنز أن العصر الحجري الحديث في كريت بقي ٤٥٠٠ عام على الأقل قبل معرفة المعادن، أو من عام ٨٠٠٠ إلى ٣٤٠٠ ق. م. تقريباً. ولا حاجة إلى القول بأن تقدير الزمن بناء على عمق الطبقات الأرضية تقدير يختلف فيه العلماء كل الاختلاف، لأن معدل الرسوب قد يختلف في العصور المختلفة. وقد أدخل إيفنز في حسابه بطء هذا المعدل بعد أن ترك موقع كنوسس، ولم يعد موضعاً لمدينة عامرة في القرن الرابع قبل الميلاد. ولم توجد في كريت أدوات من العصر الحجري القديم.