للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ديدلوس والذي خلع اسمه فيما بعد على كل شيء كثير التعاريج سواء كان (١) حجرات أو ألفاظاً أو آذانا.

وكأن الذين شادوا مدينة كنوسس قد أرادوا أن يدخلوا السرور على النفعيين أهل هذه الأيام الذين يهتمون بأنابيب المياه أكثر من اهتمامهم بالشعر، فجهزوا القصر بنظام لصرف مائه وفضلاته أرقى من كل نظام مماثل له في التاريخ القديم. فقد كانوا يجمعون في قنوات حجرية الماء الذي يسيل على سفوح التلال أو ينزل من السماء ويسيرونه في أسطوانات مجوفة إلى حمامات (٢) ومراحيض، ثم ينقلون الفضلات في أنابيب من الصلصال المحروق مصنوعة على أحسن طراز - كل قسم منها طول قطره ست بوصات، وطوله ثلاثون بوصة، مزود بشرك لحجز الرواسب، ومنته بطرف رفيع يدخل به في القسم الذي يليه، ويرتبط به ربطاً محكماً برباط من الأسمنت. وربما كان فيها جهاز يمد القصر الملكي بالماء الساخن (٣).

وقد زين الفنانون في كنوسس داخل القصر على سعته بأرق وسائل التزين. فجعلوا بعض الحجرات بالزهريات والتماثيل الصغيرة، وبعضها الآخر بالصور الملونة أو النقوش البارزة، وبعضها بالقوارير الحجرية أو الآنية


(١) ليس قولنا حجرات إلا افتراضاً محضاً بطبيعة الحال. وجدير بنا أن نضيف إلى هذا أن ما استخرج من نقوش القصر قد نقل كله إلى متحف هركيولانيوم أو غيره من المتاحف، وأن كثيراً مما بقي منه في موضعه قد رمم ترميماً مجرداً من الذوق
(٢) لم يعد المؤرخون الآن متفقين على أن الفجوات المربعة التي عثروا عليها في أرض بعض الحجرات كانت حمامات، وحجتهم في هذا أنها لا منفذ لها وأنها مصنوعة من الجبس وهو ما يذيبه الماء شيئاً فشيئاً.
(٣) عثر مسو Mosso على أنابيب للصرف شبيهة بهذه في البيت الخلوي المقام في حاجياتريادا، وقد وصفها بقوله: "لقد أدهشني أن أرى في يوم من الأيام سقط فيه المطر مدراراً أن كل وسائل الصرف المياه تعمل عملها بمنتهى الدقة والإتقان، ولقد رأيت المياه في البالوعات التي يستطيع الرجل أن يسير فيها واقفاً على قدميه. وإني لأشك في أن نظاماً آخر للصرف غير هذا النظام قد بقي يؤدي عمله بعد أربعة آلاف عام من إنشائه.