الضخمة، وبعضها بتحف من العاج أو الخزف أو البرنز، وأقاموا حول أحد الجدران طنفاً من حجر الجير عليه ألواح ذات ثلاثة حزوز متساوية الأبعاد، وأنصاف ورود، ونقشوا حول جدار عدداً من اللوالب على سطح طلي ليمثل الرخام؛ وحول جدار ثالث نقشوا صراعاً بين رجل وثور، تجلت فيه جميع دقائق الصراع بغاية الوضوح، ونشر المصور المينوي في جميع الأبهاء والحجرات كل ما احتواه فنه المبهج من أمجاد، فصور لنا في إحدى حجرات الاستقبال سيدات في ثياب زرقاء فاجأهن وهن يثرثرن، وأبرز معارفهن، وأذرعهن الجميلة، وصدورهن، وأثداءهن الدفينة؛ وصور على جدار غيره حقولاً من الأزورد والنيلوفر وغصون الزيتون، وعلى جدار آخر سيدات في دار التمثيل، ودلافين تسبح من غير حركة في ماء البحر. وخير من هذه الرسوم الصورة الذائعة الصيت، صورة الساقي المنتصب القامة، والقوي البنية، يحمل دهاناً ثميناً في وعاء أزرق رفيع، وقد جَّملت وجهه تربيته ويد الفنان، وتدلى شعره في غديرة سميكة على كتفيه الأسمرين وتلألأت الحلي في أذنيه، وحول عنقه وذراعيه ومنطقته، وزين ثوبه الغالي بصور جميلة لبعض الأزهار. وما من شك في أن هذا الساقي ليس من الرقيق، بل هو شاب من أبناء الأشراف يفخر بما نال من رشف خدمة الملك. وجملة القول أن ليس في مقدور حضارة ما أن تتطلب أو تخلق مثل هذا الترف وهذه الزينة إلا إذا كان قد طال عهدها بالنظام، والثراء، والفراغ، وسلامة الذوق.