الكريمة، وفي فن الخزف والتصوير تتشابه في البلدين تشابهاً جعل اسينجلر يعتقد أن الحضارة الكريتية ليست إلا فرعاً من الحضارة المصرية.
ولكننا لن ننهج اسينجلر لأننا لا يجوز لنا أن نتغاضى عن فردية الأجزاء في كلتا الحضارتين، فالصفة الكريتية واضحة في حضارتها كل الوضوح مميزة أشد التمييز، ولسنا نجد في العالم القديم شيئاً آخر امتاز بالرقة في دقائق الفن وبالرشاقة المركزة في الحياة والفن. ولنسلم جدلاً بأن الثقافة الكريتية آسيوية في نشأتها العنصرية، مصرية في كثير من فنونها، غير أنها في جوهرها وفي كليتها تبقى حضارة فذة، وربما كانت تنتمي إلى خليط معقد من الحضارات شأن جميع البلاد الواقعة في شرق البحرالمتوسط، حيث ورثت كل أمة فنوناً وعقائد وأساليب متماثلة متقاربة نشأت من ثقافة تنتمي إلى العصر الحجري الحديث كانت واسعة الانتشار في تلك البلاد وقامت عليها حضارتها.
ومن هذه الحضارة المشتركة أخذت كريت في شبابها وأمدتها بقسط بعد نضجها. وبفضل حكمها ساد النظام في الجزائر المجاورة لها ودخل تجارها في كل ثغر من ثغورها، ثم استقرت مصنوعاتها وفنونها في جزائر سكلديس وعمت قبرص، ووصلت إلى كاريا وفلسطين، ثم سارت شمالاً إلى آسيا الصغرى والجزائر المجاورة لها حتى بلغت طروادة واجتازت في ناحية الغرب إيطاليا وصقلية إلى أسبانيا، وعمت بلاد اليونان حتى تساليا، وبقيت في تراث اليونان عن طريق ميسينس وتيرنز، وبذلك كانت كريت في تاريخ الحضارة الحلقة الأولى في سلسلة الحضارة الأوربية.
ولسنا نعرف أي طرق الاضمحلال الكثيرة هي الطريق التي سلكتها كريت في اضمحلالها، أو لعلها سلكت هذه الطرق الكثيرة كلها، فقد اختفى ما كانت تشتهر به من غابات السرو والأرز، وأضحى ثلثا الجزيرة اليوم صخوراً