لم تكن ثمة مدينة من المدن آمنة من هجوم القراصنة المفاجئ عليها، دون أن تعمل من جانبها ما يستفزهم أو يبرر هجومهم.
ويتصف الآخيون فضلاً عن حبهم للنهب والقتل دون أن يخشوا في ذلك تأنيب الضمير، يتصفون فضلاً عن هذا بالكذب والخداع دون حياء، فأديسيوس لا يكاد ينطق بقول دون أن يكذب فيه، أو يعمل عملاً دون أن يشوبه الغدر. من ذلك أنه لما قبض على دولون Dolon الجاسوس الطروادي وعده هو وديوميد Diomed أن يبقيا على حياته إذا أدلى إليهما بما يطلبانه من المعلومات، فلما فعل قتلاه (٤٨). ولسنا ننكر أن غير أديسيوس من الآخيين لا يضارعونه في الغدر والخيانة، ولكنهم لا يمتنعون عن ذلك لأنهم لا يريدون أن يغدروا أو يخونوا، بل هم يحسدون أديسيوس ويعجبون به، ويرونه أنموذجاً للخلق الطيب؛ والشاعر الذي يصوره يعده بطلاً من كل الوجوه، وحتى الإلهة أثينة نفسها تثني عليه لكذبه، وتضيف هذه الصفة إلى محاسنه الخاصة التي تحببه إليها، وتقول له وهي تبتسم وتربت عليه بيدها:"إن الذي يفوقك في حيلك المختلفة الأنواع لا بد أن يكون ماكراً خبيثاً، ولو كان الذي يلقاك إلهاً من الآلهة. إنك رجل ماكر فيما تسديه من نصح، لا يقف خداعك وغدرك عند حد؛ ويلوح أنك لا تمتنع في بلدك نفسه عن الاحتيال وعن القصص الكاذبة الخادعة التي تحبها من أعماق قلبك"(٤٩).
والحق أننا نحن أنفسنا نشعر بميل نحو هذا البطل الذي يشبه في التاريخ القديم البطل منشهوزن الخرافي Munchausen، فنحن نتبين فيه وفي الشعب المجد المحتال الذي ينتمي إليه من الصفات ما يستثير الحب؛ فهو أب لطيف رقيق القلب، وهو في بلده حاكم عادل "لم يسيء لأحد في أرضه لا بالقول ولا بالفعل". ويقول فيه راعي خنازيره: "إنني لن أجد بعد اليوم سيداً يضارعه في شفقته مهما بعدت البلاد التي أذهب إليها، حتى لو عدت إلى