كلماته "على الناس وقع هشائش الثلج (٦٣) "، نشهد فيهما بداية ذلك السيل من الفصاحة الذي قُدّر له أن يبلغ في بلاد اليونان مستوى أرفع مما بلغه في أية حضارة أخرى، والذي قضى في آخر الأمر على هذه الحضارة القضاء الأخير.
وإذا تطلب الأمر أن تعمل العشائر مجتمعة فإن رؤساءها يطيعون أوامر أقواهم سلطاناً، ويتخذونه ملكاً عليهم، ويدينون له بالطاعة هم وجيوشهم من الأحرار وأتباعهم من العبيد. وكان أقرب الرؤساء إلى الملك مسكناً، وأكبرهم مقاماً عنده، يسمون "صحابة الملك"، وهذا هو الاسم الذي أطلق عليهم أيضاً في مقدونية أيام فليب وفي معسكر الإسكندر. وكان هؤلاء الأعيان يستمتعون في البول boule أو المجلس بحرية القول ويخاطبونه حين يوجهون له القول على أنه "الأول بين الأنداد". ومن هذه الهيئات المختلفة - الجمعية العامة، ومجلس الأعيان، والملك - نشأت دساتير العالم الغربي الحديث كله على كثرتها واختلاف أنواعها وأسمائها.
وكان للملك سلطان عظيم ولكنه ضيق الحدود. فهو ضيق في الرقعة التي يظلها لأن مملكته صغيرة، وهو ضيق في زمانه لأن الملك معرض لأن يخلعه المجلس أو أن يخلع استناداً إلى حق سرعان ما اعترف به الآخيون وهو حق من عساه أن يكون أقوى من الملك سلطاناً. وفيما عدا هذا فقد كان حكم الملك وراثياً وكانت حدود سلطانه غير واضحة المعالم. وهو قبل كل شيء زعيم عسكري شديد العناية بجيشه لأنه إذا عدمه تبينت للناس أخطاؤه. وهو يحرص على أن يكون هذا الجيش حسن العدة، والطعام، والتدريب، لديه ذخيرة من السهام المسمومة (٦٤)، والحراب، والخوذ، والجراميق، والرماح، والتروس، والدروع، والعربات الحربية. وهو الحكومة بأجمعها طالما كان الجيش يحميه، يجمع في يديه التشريع والتنفيذ والقضاء، وهو كاهن الدين الأكبر الذي يقرب القرابين باسم الشعب، أوامره هي القانون، وأحكامه نهائية لا معقب لها، ولم يكن لفظ القانون قد وجد بعد (٦٥). ومن