تحته المجلس الذي يجتمع أحياناً ليفصل في المنازعات الخطيرة؛ وكأنما كان هذا المجلس يضع التقاليد التي تسير عليها جميع المحاكم فيما بعد، فكان يبحث عن السوابق ويحكم على غرارها. وكان للسوابق الغلبة على القانون لأن السابقة مستمدة من العادة، والعادة هي الأخت الكبرى للقانون تنازعه سلطانه. على أن المحاكمات على أنواعها نادرة في المجتمع الهومري، وقلما نسمع فيه عن هيئات عامة للقضاء، بل كان على كل أسرة أن تدفع الأذى عن نفسها وتثأر لنفسها، وكانت أعمال العنف كثيرة تسود المجتمع.
ولم يكن من عادة الملك أن يجني الضرائب ليقيم بها دعائم ملكه، بل كان يتلقى من حين إلى حين "هدايا" من رعاياه؛ ولو أنه كان يعتمد على هذه الهدايا وحدها لكان ملكاً فقيراً بحق؛ أما مورده الأكبر فكان في أغلب الظن مستمداً من الرسوم التي يفرضها على ما ينتزعه جنوده وسفنه من الأسلاب في البر والبحر. ولعل هذا هو السبب الذي من أجله وُجد الآخيون في عصر متأخر كالقرن الثالث عشر قبل الميلاد في مصر وفي كريت. فكانوا في مصر قراصنة غير ناجحين وفي كريت فاتحين عابرين. ثم نسمع عنهم فجأة وهم يستثيرون غضب الشعب بقصة عن السبي المذل، ويجمعون بذلك قوى القبائل جميعها، ويجندون مائة ألف محارب، ويبحرون بأسطول ضخم منقطع النظير مكون من نحو ألف سفينة ليجربوا حظهم ضد حراب آسيا على سهول طروادة وتلها.