جنوداً بواسل ولا شيء غير الجنود، وأنها جعلت قوة الجسم وحشية مرذولة لأنها أماتت الكفايات العقلية كلها تقريباً. ذلك أنه لما أصبح لهذا القانون المقام الأول في البلاد أصاب الموت فجأة جميع الفنون التي ازدهرت قبل سيادته، فلم نعد نسمع بعدئذ عن شعراء أو مثالين، أو بنائين في إسبارطة بعد عام ٥٥٠ ق. م (١)، ولم يبق فيها إلا الرقص الجماعي والموسيقى، لأن فيهما يمكن أن يتجلى النظام الإسبارطي وأن يختفي الفرد ويضيع في المجموع. ولقد كان من أثر حرمان الإسبارطيين أن يتجروا مع العالم، ومنعهم من الأسفار، وجهلهم بعلوم بلاد اليونان وآدابها وفلسفتها الآخذة في الظهور والنماء، أن أصبحوا أمة من الجنود المشاة المدرعين الثقال، لا ترقى عقليتهم فوق مستوى الذين قضوا في هذه الجندية حياتهم كلها. ولقد كان الرحالة اليونان يعجبون من هذه الحياة البسيطة الخالية من الرونق والبهاء، ومن هذا القدر الضئيل المقيد من الحرية، وهذه المحافظة الشديدة على كل عادة وكل خرافة، وهذه الشجاعة التي كانت موضع الإجلال، وذلك النظام الصارم، وهذا الخلق النبيل، وذلك الغرض الدنيء الذي لا يؤدي إلى غاية. وعلى بعد لا يزيد على مسيرة يوم واحد على ظهور الجياد كان الأثينيون يشيدون من آلاف المظالم والأخطاء صرح حضارة واسعة المدى، قوية في أعمالها، تتقبل كل فكرة جديدة، حريصة على الاتصال بالعالم، متسامحة متنوعة، معقدة، مترفة، مبتدعة، متشككة، واسعة الخيال، شعرية، مشاغبة، حرة. لقد كان ما بين أثينة وإسبارطة من التناقض هو الذي صبغ التاريخ اليوناني بصبغته المعروفة ورسم خطوطه الرئيسية.
(١) لقد زين جتياداس Gitiadas هيكل أثينة بصفائح البرنز البديعة الصنع، وشاد باثكليز Bathycles المجنيزي عرشاً فخماً لأبلوا في أمكلي Amyclae، كما شاد ثيوجورس الساموسي بهواً كبيراً لمدينة إسبارطة؛ وبعد هذا لا نكاد نسمع شيئاً عن الفن الإسبارطي حتى على يد فنانين من خارجها.