على جميع أملاك المدينة ضريبة سنوية قدرها عشرة في المائة من قيمتها، ووهب ما تجمع منها للهيكل، فلم تمض إلا عشر سنين حتى كان قد وفى بنذره وأبقى ثروة المدينة كما كانت من قبل (٨٢). وقد وضع بحكمه المحبب المستنير الذي دام ثلاثين عاماً أساس رخاء كورنثة (٨٣).
وكان حكم ولده القاسي بريندر أطول حكم للطغاة في تاريخ اليونان (٦٢٥ - ٥٨٥). وقد أقر فيه الأمن والنظام، ومنع استغلال الناس بعضهم بعضاً، وشجع الأعمال التجارية والصناعية، وناصر الآداب والفنون، وجعل كورنثة زمناً ما أولى المدائن اليونانية، ونشط التجارة بسك عملة رسمية (٨٤)، كما نشط الصناعة بخفض الضرائب المفروضة عليها؛ وحل مشكلة التعطل بإقامة طائفة من المباني العامة وإنشاء المستعمرات في خارج البلاد؛ وحمى صغار رجال الأعمال من منافسة الشركات الكبرى بتحديد عدد الأرقاء الذي يجوز للرجل الواحد أن يستخدمهم في أعماله، وحرم استيرادهم بعد هذا التحديد (٨٥)، وأنجى الأغنياء مما عندهم من الذهب الزائد على حاجتهم بأن أرغمهم على الاشتراك بذهبهم في صنع تمثال ذهبي لتزدان به المدينة؛ ثم دعا النساء ذوات المال في كورنثة إلى حفلة كبرى، جردهن فيها من أثوابهن الغالية وحليهم الثمينة، ثم أمرهن بالعودة إلى بيوتهن بعد أن أمم جمالهن. وقد خلقت له أعماله هذه أعداء كثيرين أقوياء، فلم يكن يجرؤ على الخروج دون حرس كبير، وكان لخوفه وعزلته نكداً قاسياً. وأراد أن يحمي نفسه من الثورات فعمل بالنصيحة الخفية التي أشار بها عليه زميله الطاغية ثراسيبولس الميليتي، وهي أن يقطع "الفينة بعد الفينة أطول ما في الحقل (٨٦) من سنابل"(١). وأخذت سراريه يوجهن التهم إلى زوجته، حتى أثرن غضبه عليها، فألقاها في نوبة من نوبات هذا الغضب من فوق سلم القصر؛ وكانت حاملاً فماتت من شدة الصدمة، فما كان منه إلا أن
(١) يريد بذلك أنه كان يعدم أقوى رجال الدولة (المترجم). قارن ذلك بأعمال "التطهير" التي تحدث من آن الى آن في روسيا الشيوعية ١٠٣٥ - ١٠٣٨.