للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتقبل كل هذا النقد بقبول حسن، ويعترف بما في شرائعه من نقص ولما سئل هل سن للأثينيين أحسن الشرائع أجاب "لا، بل" سننت لهم "خير ما يستطيعون أن يُعطَوه"- أي خير ما يمكن إقناع الجماعات والمصالح المتضاربة في أثينة بأن تقبله كلها في ذلك الوقت بالذات. وقد اتبع الطريق الأوسط وأبقى بذلك على الدولة؛ وكان تلميذاً ناجحاً من تلاميذ أرسطاطاليس قبل أن يولد هذا الفيلسوف الاستجيري Stagirite وتعزو إليه الرواية الشعار الذي نقش على هيكل أبلو في دلفي وهو Medenagen أي لا إفراط في شيء، وقد أجمع اليونان على وضعه بين السبعة الحكماء.

وخير شاهد على حكمته هو ما كان لتشريعه من أثر خالد، فقد استطاع شيشرون، على الرغم مما حدث في أثينة من آلاف التغيرات والتطورات، وبالرغم مما قام فيها من دكتاتوريات وانقلابات سطحية، استطاع على الرغم من هذا أن يقول بعد خمسة قرون من عهد صولون إن شرائعه كانت لا تزال نافذة في أثينة. ولقد كان عمله من الوجهة القضائية الحد الفاصل بين حكم المراسيم المتغيرة التي لا عداد لها وبين بداية حكم الشرائع المدونة الدائمة. ولما سأله سائل متى تكون الدولة حسنة النظام ثابتة البنيان أجاب بقوله: "حين يطيع المحكومون الحكام، ويطيع الحكام القوانين". وبفضل قوانينه تحرر زراع أتكا من الاسترقاق الإقطاعي، وقامت فيها طبقة من الزراع الملاك، كان إمتلاكهم الأرض هو الذي جعل الجيوش الأثينية الصغيرة قادرة على الإحتفاظ بحرية المدينة أجيالاً طويلة، ولما اقترح في نهاية حرب البلوبونيز قصر الحقوق السياسية على الملاك الأحرار لم يوجد من الأحرار الراشدين في أتكا كلها مَن لا ينطبق على هذا الشرط إلا خمسة آلاف لا أكثر. هذا إلى أن التجارة والصناعة فد تحررتا في الوقت نفسه من القيودالسياسية كانت مفروضة عليهما، ومن العوائق المالية، وبذلك بدأ فيهما ذلك التطور القوي النشيط