للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم تستخدم حقها طوال التسعين عاماً التي مضت بين تقريره وبين إبطال العمل به في أثينة إلا في إخراج عشرة أشخاص من أتكا.

ويقال إن كليسثنيز نفسه كان بين هؤلاء العشرة؛ ولكننا في واقع الأمر لا نعرف تاريخة في آخر أيامه، فقد اختفى وضاع في لألاء أعماله. بدأ عمله بثورة تتعارض كل المعارضة مع الأصول الدستورية، ولكنه وضع بها رغم معارضة أقوى الأسر الأثينية دستوراً دمقراطياً ظل نافذاً، مع بعض تغييرات قليلة، إلى آخر عهود الحرية الأثينية. على أن الدمقراطية لم تكن كاملة، لأنها لم تكن تُطبق إلا على الأحرار، وظلت تضع قيداً خفيفاً من المِلْكية على حق الانتخاب للمناصب الفردية (١). غير أنها أعطت جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى جمعية وإلى محكمة تتكونان من المواطنين، وإلى حكام كبار تعينهم الجمعية ويكونون مسئولين أمامها، وإلى مجلس يختار أعضاؤه بأصوات كل من يريد الاقتراع من المواطنين، ويشترك بالفعل في ممارسة سلطانه الأعلى ثلثهم مدة سنة من حياتهم على الأقل. إن العالم لم يرَ قط في تاريخه كله قبل ذلك العهد نظاماً انتخابياً أكثر من هذا النظام حرية، ولا سلطة سياسية شعبية أوسع من هذه السلطة.

واغتبط الأثينيون أنفسهم أشد الاغتباط بهذه المغامرة التي تستهدف سيادة الشعب. لقد أدركوا أنهم كانوا مقدمين على مغامرة شاقة خطيرة، ولكنهم أقدموا عليها بشجاعة وأنفة، وباعتدال وضبط للنفس داما بعض الوقت. ولقد عرفوا من ذلك الوقت لذة الحرية في العمل والقول والتفكير، وبدأوا يتزعمون بلاد اليونان كلها في الآداب والفنون، بل في السياسة والحرب أيضاً، وتعلموا أن يطيعوا من جديد قانوناً يعبر عن إرادتهم


(١) اشترط قدر من الملك لممارسة حق الانتخاب في المراحل الأولى من الدمقراطية الأمريكية والفرنسية.