الشعر الغنائي والغناء الجماعي حتى بلغ سن الشيخوخة. ولما رضي آخر الأمر أن يموت دفن في أكرجاس بمظاهر التكريم الخليقة بالملوك.
ولم يكن سمنيدس شاعراً فحسب، بل كان فوق ذلك رجلاً ذا شخصية عجيبة، وكان اليونان ينددون به ويحبونه لرذائله وشذوذه. وكان مغرماً بالمال فإذا غاب عنه الذهب لم يلهم الشعر؛ وكان أول من كتب الشعر ليؤجر عليه، وحجته في هذا أن من حق الشاعر أن يأكل كما يأكل سائر الناس؛ ولكن هذه العادة كانت جديدة في بلاد اليونان، وكان أرستفنيز يردد غضب الشعب منها، ويقول إن سمنيدس "لا يستنكف أن يذهب إلى البحر في محفة ليكسب فيه فلساً"(٦). وكان يفخر بأنه اخترع طريقة لمساعدة الذاكرة على الاستظهار، أخذها عنه شيشرون واعترف بفضله عليه (٧). والمبدأ الجوهري الذي تقوم عليه هذه الطريقة وهو ترتيب الأشياء التي يريد أن يتذكرها متتابعة في ترتيب منطقي من نوع ما بحيث يؤدي كل قسم منها بطبيعته إلى القسم الذي يليه. وكان رجلاً فكهاً، انتشرت أجوبته الفكهة المسكتة في جميع مدن اليونان وتداولها الناس فيما بينهم تداول النقود، ولكنه قال في شيخوخته إنه كثيراً ما ندم على الكلام وإن لم يندم قط على السكوت (٨).
وإنا ليدهشنا أن نجد في القليل الباقي لدينا من أقوال هذا الشاعر الذي نال كثيراً من الثناء والعطاء تلك الكآبة التي كانت طابع الكثير من أدب اليونان بعد هومر-ونقول بعد هومر لأن الناس في أيامه كانوا أنشط من أن يكتئبوا، وكانوا أعنف من أن يتضايقوا ويملوا:
"ألا ما أقل أيام الحياة وما أكثر ما فيها من شرور، ولكن نومنا تحت أطباق الثرى سيكون نوماً سرمدياً … وما أضعف الإنسان وما أقوى أغلاطه؛ إن الأحزان تأتي في أعقاب الأحزان طوال حياته القصيرة ثم يدركه آخر الأمر الموت الذي لا ينجو منه إنسان، والذي يرد حوضه الأخيار والأشرار على