على رأسهم، وسُئل طاليس عن أصعب الأشياء فأجاب بقوله الذي جرى مجرى الأمثال:"أن تعرف نفسك"، ولما سُئل عن أسهل الأشياء قال:"أن تسدي النصح"، وسُئل ما هو الله؟ فأجاب "هو ما ليس له بداية ولا نهاية"، وسُئل كيف يستطيع الناس أن يعيشوا عيشة الفضيلة والعدالة فأجاب:"ألا نفعل نحن ما نلوم غيرنا على فعله"(٣٠). ويقول ديوجينيز ليرتيوس Diogenes Laertius (٣١) : إنه مات "وهو يشاهد مباراة في الألعاب الرياضية، بعد أن أضناه الحر والظمأ والتعب لأنه بلغ سن الشيخوخة".
ويقول استرابون (٣٢). إن طاليس كان أول من كتب في الفيزيولوجيا أي علم الطبيعة (Physics) ، أو مبدأ وجود الأشياء وتطورها. وقد تقدم علمه تقدماً عظيماً على يد تلميذه أنكسمندر؛ وقد عاش بين عامي ٦١١، ٥٤٩ ق. م. ولكنه نشر على الناس فلسفة تشبه شبهاً عجيباً الفلسفة التي نشرها هربرت اسبنسر Herbert Spencer في عام ١٨٦٠ م، وهو يهتز طرباً من قوة ابتكاره الفطين. ويقول أنكسمندر إن المبدأ الأول كان لا نهائية غير محددة واسعة الأرجاء (Apeiron) ، أي كتلة غير محددة ليست لها صفات خاصة، ولكنها تنمو وتتطور بما فيها من قوى ذاتية، حتى نشأت منها جميع حقائق الكون المختلفة (١). وهذه اللانهائية الحية السرمدية التي لا صلة لها بالشخصية ولا بالأخلاق، هي الإله الذي لا إله غيره في نظام أنكسمندر؛ هي الواحد السرمدي الذي لا يحول، والذي يختلف كل الاختلاف عن الكثرة الفانية المتغيرة التي في عالم الأشياء. وهنا تلتقي هذه الفلسفة بآراء المدرسة الإليتية Eletic فيما وراء الطبيعة- وهي أن الواحد السرمدي دون غيره هو الحقيقة. ومن هذه اللانهائية التي لا خواص لها تولد العوالم الجديدة في تتابع لا ينقطع أبداً، وإليها تعود هذه العوالم في تتابع
(١) قارن هذا بما عرّف به اسبنسر التطور، إذ قال "إنه قبل كل شيء تحول من التجانس غير المترابط غير المحدد، إلى التباين المترابط المحدد".