شائعاً عن هذا النظام عند المصريين واليهود، فقد ظن أن العالم يتكون من نصف كرة يرتكز على منبسط من الماء لا نهاية له، وأن الأرض قرص مستوي طافٍ على السطح المستوي في داخل هذا الجسم النصف الكري. ويذكرنا هذا بقول جيته Goethe إن الإنسان يشترك في رذائله (أو أخطائه) مع أهل زمانه، أما فضائله (أو فراسته) فإنه ينفرد بها دون سائر الناس.
وكما أن بعض الأساطير اليونانية قد جعلت أقيانوس Oceanus والد الخلائق بأجمعها، فكذلك جعل طاليس الماء المبدأ الأول لجميع الأشياء، وشكلها الأصلي ومصيرها النهائي. ويقول أرسطو إنه ربما جاء بهذا الرأي بعد أن شاهد "أن غذاء كل شيء رطب وأن … بذور كل شيء ذات طبيعة رطبة؛ .. وأن ما يتولد منه كل شيء هو دائماً مبدؤها الأساسي"(٢٧). أو لعله كان يعتقد أن الماء هو الصورة الأولى أو الأساسية من صور المادة الثلاث- الغازية والسائلة والصلبة- التي يمكن أن تتحول إليها المواد كلها من الوجهة النظرية؛ وليس أهم ما في آرائه قوله إن الماء أصل كل شيء، بل أهمها إرجاعه الأشياء جميعها إلى أصل واحد؛ ولقد كان ذلك أول قول بوحدة المادة في التاريخ المدون كله. ويصف أرسطو آراء طاليس بأنها مادية؛ ولكن طاليس يضيف إلى أقواله السابقة أن كل جزء في العالم حي، وأن المادة والحياة وحدة لا ينفصل أحد جزأيها عن الآخر، وأن في النباتات والمعادن "نفساً" خالدة كما في الحيوان والإنسان، وأن القوة الحيوية تتغير صورتها ولكنها لا تموت أبداً (٢٨). وكان من عادة طاليس أن يقول إنه لا يوجد فرق جوهري بين الأحياء والأموات. ولما أراد بعض الناس أن يضايقه بسؤال إياه لمَ إذاً يؤثر الحياة على الموت أجابه بقوله:"ذلك لأنه لا فرق بينهما"(٢٩).
ولما بلغ سن الشيخوخة أجمع مواطنوه على تلقيبه بلقب الحكيم Sophos، ولما اعتزمت بلاد اليونان أن تخلد أسماء حكمائها السبعة، وضعت اسم طاليس