ووُصِف بيته بأنه مزدان بالغنائم الحربية والدروع العسكرية، غير أنه لما سنحت له الفرصة التي كان يستطيع أن يُظهر فيها بطولته، ألقى بدرعه، وفر كما فر أركلوكس من قبله، وأخذ يمتدح نفسه لحصافته الباسلة، وقد غنى أحياناً في الحب، ولكن أحب الموضوعات التي كتب فيها إلى نفسه كان موضوع الخمر، التي اشتهرت بها لسبوس شهرتها في الشعر، وهو ينصحنا بأن نعب الخمر عباً، وأن ننقع بها غليلنا في الصيف، وأن نستقبل بها الموت بلا رهبة في الخريف، وأن ندفئ بها دماءنا في الشتاء، ونحتفل بها ببعث الطبيعة في الربيع:
ينزل مطر زيوس، وفي السماوات العلا تثور العاصفة،
ويمسك البَرْد بقبضته الثلجية مجاري المياه.
إذن فقم! وتغلب على الشتاء، وأشعل النار عالية، عالية؛
وامزج الخمر الكثيرة حلوة كشهد النحل؛
ثم اشربها ولفاعة الصوف المريحة قد لفت حول صدغيك.
إن علينا ألا نستسلم للأحزان أو نضني أجسامنا بكثرة
المشاغل التي تذهب بقوانا؛
لأن الحزن يا صاح لا يعود علينا بأقل نفع،
ولا يصلح حالنا بأي حال؛
أما خير دواء لنا
فهو الخمر نطرد به الأفكار (١)
ولقد كان من سوء حظه - وإن كان قد تحمل هذه الكارثة بصدر رحب ولم يلق بالاً إليها - أن كان بين معاصريه امرأة هي أشهر نساء اليونان أجمعين، ونعني بها سافو. وكانت بلاد اليونان بأجمعها تعظمها قبل أن
(١) ما أشبه هذه الأقوال بأقوال عمر الخيام. (المترجم)