السمك بالشباك، وجمعوا بعض القواقع البحرية ليستخرجوا منها الصبغة الأرجوانية التي كانت أغلى قيمة من نظيرتها الفينيقية (٨). وبدأت الحكومة كما بدأت معظم المستعمرات اليونانية بأن كانت ألجاركية يتولاها ملاك الأرض، ثم انتقلت إلى أيدي طغاة تمدهم بالمال الطبقة الوسطى، واستمتعت بفترات من الحكم الديمقراطي القوي المضطرب. وفي هذا المكان نزل بِرَس صاحب الشخصية الروائية في عام ٢٨١، وأراد أن يقوم في الغرب بالدور الذي قام به الإسكندر في الشرق.
وأسست موجة أخرى من المهاجرين معظمهم من الآخيين مدينتي سيبارس وكروتونا على الجانب الآخر من خليج تارنتم. وتدل الغيرة القاتلة التي نشاهدها بين هذه الدول، وكلها من أصل واحد، على ما كان يتصف به اليونان من نشاط قوي مبدع، وعواطف جياشة مدمرة. وكان للتجارة بين بلاد اليونان وإيطاليا الغربية طريقان أحدهما بحري والثاني بري في بعض أجزائه. وكانت السفن تسير في الطريق البحري تمر بكروتونا وتبادل فيها بالكثير من بضائعها، وتمر بعدها برجيوم Rhgium وتؤدي فيها المكوس، ثم تجتاز في حذر بحاراً موبوءة بالقراصنة، ومضيق مسينا الكثير الدوامات، حتى تقبل إلى إلياوكومي، أقصى المستعمرات اليونانية في إيطاليا شمالاً. وكان التجار الذين يختارون الطريق الآخر يفرغون بضائعهم في سيبارس ليفروا من هذه المكوس والأخطار، وليوفروا على أنفسهم عناء السير بحراً بالمجاذيف والشراع، ثم ينقلونها بطريق البر نحو ثلاثين ميلاً إلى ساحل لوس Laus الغربي، ثم يحملونها مرة أخرى على ظهور السفن إلى بوسيدونيا، ومنها تنتقل إلى الأسواق في داخل إيطاليا.
وكانت سيبارس ذات موقع حسن على الطريق التجاري، فأثرت وعمها الرخاء حتى بلغ عامروها (إذا جاز لنا أن نصدق أقوال ديودور الصقلي (٩))