دامو Damo كانتا من أشد أتباعه إخلاصاً له، وقد كان في وسعهما أن توازنا بين فلسفته وحياته. ويقول ديوجنيز ليرتس إنه "عهد بتعليقاته إلى دامو وأمرها ألا تذيعها لأي إنسان في خارج البيت، وإنها لم تفرط قط في أحاديثه مع أنه كان في وسعها أن تبيعها بالمال الكثير، لأنها كانت ترى أن طاعة أوامر والدها أثمن من الذهب، ويزيد في فضلها أنها امرأة"(٢٨).
وكان الانضمام إلى المجتمع الفيثاغوري يتطلب، فضلاً عن تطهير الجسم بالعفة وكبح الشهوات، تطهير العقل بدراسة العلم. وكان ينتظر من الطالب الجديد أن يلتزم "الصمت الفيثاغوري" مدى خمس سنين - ولعل المقصود بالصمت الفيثاغوري أن يتقبل الأوامر من غير سؤال أو مناقشة - قبل أن يُعترف به عضواً كاملاً في الجماعة، وقبل أن يُسمح له بأن "يرى" فيثاغورس (٢٩) أي أن يدرس عليه. وتنفيذاً لهذا النظام كان التلاميذ يقسمون إلى طلاب خارجيين وطلاب داخليين، وكان الداخليون هم الذين يحق لهم أن يعرفوا الحكمة السرية للمعلم نفسه. وكان منهج الدراسة يتألف من أربعة موضوعات: الهندسة النظرية، والحساب، والفلك، والموسيقى. وكان يبدأ بالرياضيات (١)؛ ولكنها لم تكن العلم العملي الذي استحالت إليه على أيدي المصريين القدامى، بل كانت علماً مجرداً نظرياً يبحث في الكميات، ومثلاً أعلى في التدريب المنطقي يجعل التفكير منظماً واضحاً بعرضه على محك الاستدلال الصارم والبرهان الواضح الملموس. وأضحت الهندسة النظرية من ذلك الوقت مجموعة من البديهيات، والنظريات، والبراهين. وكانت كل خطوة في القضايا المنطقية المتتالية ترفع الطالب إلى مستوى أعلى من مستواه السابق - على حد قول الفيثاغوريين - يستطيع منه أن يطلع أكثر من ذي قبل على بناء العالم (٣١). وتقول الرواية اليونانية المتواترة إن
(١) ويلوح أن الفيثاغوريين كانوا أول من استعمل كلمة ماتماطيقا Mathematike بمعنى الرياضيات، فقد كانت قبل أيامهم تُستحدم للدلالة على تعلم أي شيء (٣٠) مهما يكن نوعه.