فيثاغورس نفسه كشف كثيراً من النظريات الهندسية: وأهمها كلها أن مجموع الزوايا الداخلية في أي مثلث يساوي قائمتين، وأن المربع المقام على الضلع المقابل للزاوية القائمة في المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع المربعين المقامين على الضلعين الآخرين. ويقول أبلودورس Appollodorus إنه لما كشف المعلم هذه النظرية ضحى بمائة ذبيحة شكراً على هذا الكشف العظيم (٣٢). فإن كان قد فعل ذلك حقاً فقد ناقض المبادئ الفيثاغورية مناقضة يندى لها الجبين. وانتقل فيثاغورس من الهندسة إلى الحساب - على عكس النظام المتبع في هذه الأيام. ولم يكن يقصد بالحساب وقتئذ أن يكون فناً عملياً للتعداد والإحصاء، بل كان نظرية مجردة للأعداد. ويلوح أن المدرسة الفيثاغورية هي أول من قسم الأعداد إلى فردية وزوجية، وإلى أعداد صماء وأخرى قابلة للقسمة (٣٣)، وقد صاغت نظرية النسبة، واستطاعت بها و "بتطبيق المساحات" أن توجد الجبر الهندسي (٣٤). ولعل دراسة النسبة هي التي أمكنت الفيثاغوريين من أن يحولوا الموسيقى إلى أعداد. ويُروى أن فيثاغورس كان في يوم من الأيام ماراً بحانوت حداد، فاسترعت سمعه الفترات الصوتية الخارجة من ضربات السندان، والتي بدت كأنها فترات موسيقية منتظمة. ولما عرف أن المطارق ذات أوزان مختلفة استنتج من ذلك أن النغمات تتوقف على نسب عددية. وتقول إحدى التجارب القلائل التي سمعنا بها في علوم القدماء إنه أتى بوترين متساويين في السمك وفي التوتر، وتبين له أنه إذا كان طول أحدهما ضعفي طول الآخر أخرجا إذا جذبهما نغمة من الدرجة الأولى؛ وإذا كان أحدهما قدر الآخر مرة ونصف مرة أخرجا خُمساً (دو - صول)؛ وإذا كان أحدهما قدر آخر مرة وثلث مرة، أخرجا رُبعاً (دو - فا (٣٥))؛ وبهذه الطريقة يمكن أن تقدر كل نغمة موسيقية تقديراً رياضياً، وأن يعبر عنها تعبيراً رياضياً كذلك. وإذ كانت كل الأجسام التي تتحرك في الفضاء تحرج أصواتاً، تتوقف درجة ارتفاعها على حجم الجسم وسرعة