حركته، فإن كل كوكب في فلكه حول الأرض (كما يقول فيثاغورس) يحدث صوتاً يتناسب مع سرعة انتقاله، وهذا الصوت يعلو أيضاً كلما بعُد الكوكب عن الأرض؛ ويتكون من هذه النغمات المختلفة ائتلاف في الأصوات أو "موسيقى الأفلاك"، وهي موسيقى لا نسمعها قط لأننا نسمعها على الدوام (٣٦).
ويقول فيثاغورس إن العالم جرم كري حيٌّ مركزه الأرض، وإن الأرض هي الأخرى جرم كري تدور، كما تدور الكواكب، من الغرب إلى الشرق. وقد قسم الأرض، والعالم كله في الحقيقة، خمس مناطق - المنطقة الباردة الشمالية، والباردة الجنوبية، ومنطقة الصيف، ومنطقة الشتاء، والمنطقة الاستوائية، وقال إن الجزء الذي نراه من القمر يكبر حجمه أو يصغر تبعاً للزاوية التي يواجه بها الأرضَ نصفُه المتجه نحو الشمس، وإن خسوف القمر ينشأ من وجود الأرض أو أي جرم آخر بينه وبين الشمس (٣٧). ويقول ديوجنيز ليرتس إن فيثاغورس كان أول مَن قال إن الأرض مستديرة، وأول من سمى العالم كوناً Kosmos (٣٨) .
وقد عمل فيثاغورس بفضل بحوثه في الرياضيات والفلك أكثر مما عمله أي عالم آخر لوضع أسس العلوم الطبيعية في أوربا. ولما أن تم له ذلك انتقل إلى الفلسفة، ويبدو أن لفظ الفلسفة نفسه من وضعه هو. وقد رفض أن يستخدم كلمة سوفيا Sophia أي الحكمة لأنها ادعاء عريض لا يرضاه، ووصف سعيه لإدراك الحقائق بأنها فلسفة Philosophia أي محبة الحكمة (٣٩). وقد صارت كلمتا فيلسوف وفيثاغورس في القرن السادس كلمتين مترادفتين (٤٠). وبينما كان طاليس وغيره من الميليتيين يبحثون عن أصل الأشياء جميعها في المادة، كان فيثاغورس يبحث عنه في الشكل، وبعد أن كشف ما في الموسيقى من علاقات ونتائج متتالية عددية منتظمة، وبعد أن افترض وجود هذه العلاقات والنتائج المتتالية في الكواكب نفسها، قفز قفزة الفلاسفة نحو الوحدة، وأعلن أن هذه العلاقات والنتائج المتتالية العددية المنتظمة توجد في كل مكان، وأن العامل الجوهري