للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأساسي في كل شيء هو العدد. وكما أن اسبنوزا قد قال فيما بعد (١) إن ثمة عالمين - أحدهما عالَم الأشياء أو عالَم الناس الذي يدركونه بالحواس والآخر عالم الفلسفة، أو عالم القوانين والثوابت الذي يدركه العقل - وإن العالم الثاني وحده هو العالم الحقيقي الدائم، كذلك شعر فيثاغورس أن النواحي الأساسية الخالدة لأي شيء هي ما بين أجزائه من علاقة عددية (٢)، ولعله كان يرى أيضاً أن الصحة نفسها علاقة رياضية أو نسبة صالحة بين أجزاء الجسم أو عناصره؛ أو أن النفس كانت هي الأخرى عدداً. وعند هذه النقطة انطلقت صوفية فيثاغورس التي استقاها من مصر وبلاد الشرق الأدنى حرة لا تلوي على شيء. فقال إن النفس تنقسم أقساماً ثلاثة: الشعور واللقانة والعقل؛ فالشعور مركزه القلب، واللقانة والعقل مركزهما المخ؛ وإن الشعور واللقانة من صفات الحيوان والإنسان على السواء (٣)، أما العقل فيختص به الإنسان وحده، وهو خالد لا يفنى (٤٢). وتمر النفس بعد الموت بفترة من التطهير في الجحيم Hades، تعود بعدها إلى الأرض وتدخل في جسم جديد، ثم في جسم آخر، وتمر في سلسلة من التناسخ لا ينتهي إلا إذا كان صاحبها قد حَيي حياة فاضلة منزهة عن الرذائل بأجمعها.

وكان فيثاغورس يدخل السرور على أتباعه، أو لعله كان يقوي عقيدتهم، بقوله لهم إن روحه قد تقمصت مرة جسم عاهر، ومرة أخرى جسم البطل يوفوربوس


(١) في مقاله عن "تحسين العقل".
(٢) يحاول العلم أن يرجع الظواهر كلها إلى تقديرات كمية رياضية قابلة للتحقيق. والكيمياء تتحدث عن الأشياء بلغة الرموز والأرقام وترتب العناصر ترتيباً رياضياً في قوانين دورية، وترجعها إلى حساب ذري داخلي من الكهارب؛ وعلم الفلك رياضيات سماوية، وعلماء الطبيعة يجدون في البحث عن قانون رياضي ينطبق على الكهرباء، والمغناطيسية، والجاذبية؛ ولقد حاول بعض مفكري هذه الأيام أن يعبروا عن الفلسفة نفسها في صورة رياضية.
(٣) ومن واجبنا أن نلاحظ في هذه المقام أن فيثاغورس قد سبق باستير بعض السبق في إنكاره التوالد التلقائي، وقال إن الحيوانات كلها تولد من حيوانات أخرى عن طريق "البذور" أو "الأصول".