جلائل الأعمال. ولقد أنشأت جماعات المغنين على توالي الأجيال طائفة من القصائد الغنائية تدور كلها حول حصار طيبة وطروادة وعودة المحاربين إلى أوطانهم. وكانت الأغاني شائعة مشتركة بين هؤلاء الشعراء، وكان كل واحد منهم يؤلف قصته من قطع متفرقة أقدم منها عهداً، ولم يكن منهم من يدعى أنه هو الذي ألف سلسلة متتابعة من هذه القصص. وقد وجدت في طشيوز جماعة من أولئك الشعراء أطلقوا على أنفسهم اسم الهومريدي Homeridae، وادعوا أنهم من نسل شاعر يدعى هومر، وهو في زعمهم مؤلف الملاحم التي كانوا ينشدونها في شرقي بلاد اليونان بأجمعه (١١). وقد يكون هذا الشاعر الضرير لا وجود له في الحقيقة بل كان أباً خيالياً لقبيلة أو طائفة من الناس، شأنه في هذا شأن هلن، ودورس وأبون (١٢). ولم يكن اليونان في القرن السادس يعزون إلى هومر الإلياذة والأوذيسة فحسب، بل كانوا يعزون إليه كذلك كل الملاحم المعروفة وقتئذ. والقصائد الهومرية أقدم الملاحم المعروفة في التاريخ، ولكن جودتها في حد ذاتها وما فيها من إشارات كثيرة إلى شعراء سابقين، لتوحيان إلينا بأن هذه الملاحم الباقية هي الحلقة الأخيرة من سلسلة طويلة بدأت بالقصائد البسيطة القصيرة ثم تطورت حتى وصلت إلى هذه الأغاني الطويلة "المحيطة" بعضها في بعض. وألف في أثينة في القرن السادس قبل الميلاد لجنة حكومية - قد تكون في عهد صولون (١٣)، وقد تكون وهو الأرجح في عهد بيستراتس- فانتقت الإلياذة والأوذيسة من بين الملاحم الأدبية الباقية من القرن الذي قبله، أو لعلها جمعتها بعد مقابلة النسخ الموجودة منها وقتئذ بعضها على بعض، ثم عزتهما إلى هومر، ثم نشرتهما- أو لعلها صاغتهما- في صورة هي في جوهرها صورتهما الحاضرة (١٤).
ومن المعجزات الأدبية أن تصل قصيدتان مستمدتان من أصول متعددة مختلفة إلى هذه الدرجة الفنية العالية. ولسنا ننكر أن الألياذة تقصر دون الغاية