للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تصف تجمع الجيوش اليونانية: "واحتشد اليونان ذوو الشعر الطويل فوق السهل كما تحتشد أسراب الذباب في مذاود الرعاة زمن الربيع حين يملأ اللبن الجديد الدلاء"، أو إلى العبارة الآتية:

"كما تشق النار العظيمة طريقها في الأودية العميقة بين الجبال الجرداء، فتحترق أمامها الأشجار الضخمة السميكة، ويتمايل اللهب يمنة ويسرة حين تهب عليه الرياح من هذه الناحية أو تلك - هكذا كان ينتقل أكليز وهو غاضب ثائر من جانب إلى جانب في ميدان القتال، ويدرك ضحاياه أينما كانوا فلا يفلتون منه، ويخضب الأرض بدمائهم" (٢٠).

وتختلف الأوذيسة عن هذا كله أشد الاختلاف حتى ليظن الإنسان لأول وهلة أن مؤلفها غير مؤلف الإلياذة؛ وقد قال بهذا بعض علماء الإسكندرية أنفسهم، ولم يكم أفواه المتجادلين إلا أرستاركوس Aristarchus وما له من سلطان قوي بين الناقدين (٢١). وتتفق الأوذيسة مع الإلياذة في بعض العبارات القياسية "أثينة ذات العين الشبيهة بعين البومة" "اليونان الطوال الشعر" "قائم كلون النبيذ" "الفجر ذات الاصابع الوردية" - وهي ألفاظ يبدو أنها لم تستعمل إلا بعد جمع الإلياذة أو تأليفها (٢٢). ففي الملحمة الثانية يتكرر ذكر الحديد على حين أن الأولى تتحدث عن البرونز، كذلك نسمع فيها عن الكتابة، وعن الملكية الخاصة للأرض، وعن العبيد المحررين وتحرير العبيد، وهذه كلها لا يذكر منها شيء في الإلياذة؛ بل إن الآلهة وأعمالهم ليختلفون في إحداهما عنهم في الأخرى (٢٣). ووزن القصيدتين واحد وهو الوزن السداسي الأوتاد المكون كل وتد فيه من ثلاثة مقاطع وهو المتبع في جميع الملاحم اليونانية؛ ولكن أسلوب الملحمة وروحها ومادتها تختلف كلها عن نظائرها في الإلياذة اختلافاً لا يتسر معه لشاعر واحد على أن ينشئ الملحمتين إلا إذا بلغ الذروة في التعقيد، وكان صاحب السلطان الأعلى على جميع الأمزجة والحالات النفسية المتباينة. وما من شك في أن كاتب القصيدة