للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في أثناء العزف. وكان ثمة أنواع مختلفة من القيثارات صغيرة وكبيرة ولكنها كانت في جوهرها شيئاً واحداً فكانت كلها تتكون من أربعة أوتار أو خمسة مصنوعة من أمعاء الضأن ومشدودة على قنطرة فوق جسم رنان من المعدن أو صدفة سلحفاة وكانت القيثارة صنجاً (كنجاً) صغيراً يستخدم أثناء غناء الشعر القصصي، وكانت القيثارة اليونانية الصغيرة تستخدم مع الشعر الغنائي والأغاني بوجه عام.

ويروي اليونان قصصاً عجيبة عن كيفية إختراع الإلهة هرمس، وأبلو، وأثينة، لهذه الآلات، وكيف تحدى أبلو بقيثارته أبواق مارسياس (وهو كاهن الإلهة الفريجية سيبيل) ونايه وغلبه- بطريقة غير شريفة في ظن مارسياس- بأن أضاف صوته إلى صوت الآلة، وختم المباراة بأن أمر بسلخ جلد مارسياس حياً؛ وعلى هذا النحو تمثل الأساطير غلبة القيثارة على الناي. وثمة قصص أظرف من هذه القصة تحدث عن الموسيقيين الأقدمين الذين أوجدوا فن الموسيقى أو عملوا على تقدمه: عن أولمبس تلميذ مارسياس الذي اخترع السلم ذا المسافات القصيرة (١) حوالي عام ٧٣٠ ق. م، وعن لينوس Linus معلم هرقل الذي اخترع العلامات الموسيقية اليونانية وأوجد بعض (الدرجات (٧٠)، وتحدثنا عن أرفيوس التراقي كاهن ديونيسس، وعن تلميذه موسيوس Mausaeus الذي قال إن (الغناء من أحلى الأشياء للآدميين (٧١). وتوحي هذه القصص بأن الموسيقى اليونانية استمدت أشكالها في أغلب الظن من ليديا، وفريجيا (٧٢)، وتراقية (٢).


(١) وهو سلم يحتوي على أربع نغمات هي: مي ميَ فا لا سي سيَ دو مي، والشرطة التي فوق العلامة تدل على أنها ربع نغمة.
(٢) لقد كان لموسيقى هيلاس سلالم مختلفة أكثر عدداً وأشد تعقيداً من موسيقانا ذلك أن سلمنا الموسيقي لا يحتوي على أصغر من نصف نغمة، ويكون اثنا عشر نصفاً من أنصاف النغمات السلمية عندنا؛ أما لليونان فقد كان لديهم أربع نغمات، وكان لهم خمسة وأربعون سلماً، في كل منها ثمان عشرة نغمة (٧٣). وكان يتألف من هذه السلالم ثلاث مجموعات: مجموعة السلالم المتصلة النغمات وأساسها الأربعة الأصوات: مي، ري، دو، سي؛ وقد نشأت الكنيسة في العصور الوسطى من السلالم اليونانية بتبسيطها، ومن هذه السلالم الكنيسة نشأت السلالم الموسيقية الحالية. وقد وجدت في داخل السلم المتصل النغمات ذي الأربعة الأصوات سبع درجات، وذلك بتعديل الأوتار لتغير موضع أنصاف النغمات في الحلقة السلمية، وأهم هذه الدرجات هي الدرجات الدورية: مي ري دو سي لا صول فا مي، وهي النغمات الحربية الرصينة وإن كانت من طبقة صغرى، والليدية (دو سي لا صول فا مي ري دو) الرقيقة المحزنة وإن كانت من طبقة صغرى كذلك، والفريجية (ري دو سي لا صول فا مي ري) وهي من طبقة وصخابة انفعالية قوية (٧٤)؛ ومن الطريف الممتع أن يقرأ الإنسان ما دار من الجدل العنيف حول ما يعزوه اليونان- وخاصة فلاسفتهم- لأنصاف النغمات من أثر النافع الضار في الموسيقى والأخلاق والطب. فهم يقولون لنا أن الموسيقى تبعث في الرجال الشجاعة والمهابة، وإن الليدية تجعلهم عاطفيين ضعافاً، والفريجية سريعي التهيج معاندين. أما أفلاطون فيرى أن معظم الموسيقى تبعث على الترف المخنث والفساد الخلقي الطليق، ويحب أن يخرج جميع الموسيقى الآلية من دولته المثالية (٧٥). غير أن ثيوفر استوس لا يعدم كلمة طيبة يقولها عن جميع أنواع الموسيقى حتى الموسيقى الفريجية؛ فهو يقول مثلاً إن الأمراض المستعصية تزول آلامها بعزف نغمة فريجية بالقرب من الجزء العليل. ولم تكن العلامات الموسيقية اليونانية دوائر وذيولاً تكتب على مجموعة من السطور، بل كانت هي الحروف الهجائية اليونانية مقلوبة أو مستعرضة أو مزيدة عليها نقط أو شرط لتجعل منها أربعاً وستين علامة توضع فوق ألفاظ الأغنية. ولقد وصلت إلينا قطع صغيرة من هذه العلامات نتعزى بها عن الكثير الذي فقدناه منها؛ وهي تنبئ عن أنغام أقرب إلى الموسيقى الشرقية منها إلى الأوربية، تطيقها آذان الهنود أو الصينيين، أو اليابانيين أكثر مما تطيقها آذان الغربيين البليدة التي لم تتعود أرباع النغمات.