وكان الرجال أيضاً يستمعون إلى محاضراتها، ومن بينهم بركليز وسقراط، وأكبر الظن أن أنكساغوراس نفسه، ويوربديز، وألسبيديز، وفدياس كانوا يستمعون إليها. ويقول سقراط إنه تعلم منها فن البلاغة (٢٤)، ويؤكد بعض قدماء النمامين الثرثارين أن رجل الحكم قد ورثها من الفيلسوف (١). ووجد بركليز وقتئذ أن الفرصة الطيبة قد واتته إذ أحبت زوجته رجل آخر، فلم يكن منه إلا أن عرض عليها أن تستمتع بحريتها نظير استمتاعه هو بحريته، فرضيت بذلك، واتخذت لها زوجا ثالثاً (٢٦)، وجاء بركليز بأسبازيا إلى بيته. غير أن قانونه الذي سنه في عام ٤٥١ لم يكن يبيح له أن يتخذها زوجة له لأنها من مواليد ميليطس، وإذا ولد له منها طفل كان هذا الطفل بمقتضى هذا القانون نفسه طفلاً غير شرعي، لا يستطيع أن ينال حق المواطنة الأثينية. ويلوح أنه كان شديد الحب والإخلاص لها، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إنه كان يهيم بها هياماً شديداً، فلا يغادر بيته ولا يعود إليه دون أن يقبلها، ثم أوصى آخر الأمر بكل ما يملك إلى ولدها منه. وانقطع من ذلك الوقت عن الحياة الاجتماعية كلها خارج بيته، وقلما كان يغادره إلى أي مكان غير ساحة المدينة، أو قاعة المجلس، حتى أخذ أهل أثينة يشكون بعده عنهم. أما أسبازيا نفسها فقد جعلت بيته أشبه بالندوات الفرنسية في عهد الاستنارة تناقش فيه الفنون، والعلوم، والآداب، والفلسفة، وشؤون الحكم والسياسة في أثينة، مناقشة تجمع بين هذه النواحي المختلفة وتؤثر كل منها في الأخرى. وكان سقراط يُعجب بفصاحتها ويُدهش منها، ويعزو إليها فضل إنشاء الخطبة الجنائزية التي ألقاها بركليز بعد الخسائر الأولى في حرب البلوبونيز. وما لبثت أسبازيا أن أصبحت ملكة أثينة غير المتوجة، تشيع فيها آخر أنماط الحياة الاجتماعية، وعنها تأخذ نساء المدينة "مُثُل الحرية العقلية والأخلاقية التي يتطلعن لها والتي تثير حماستهن".
(١) يريد برجل الحكم بركليز وبالفيلسوف سقراط. (المترجم)