للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحس بمفاتن النساء، وإن كان لا يرى بعد أن يعيد التفكير أن ذلك من الأمور الطبيعية التي لا غبار عليها. ذلك أن سيطرته على نفسه كانت تدفعه إلى مقاومة حساسيته الرقيقة، على حين أن متاعب المنصب قد قوّت بلا ريب حنينه الشديد السوي إلى رقة الأنوثة. وكان حين التقى بأسبازيا قد مضى على زواجه زمن طويل؛ وكانت هي من ذلك الطراز الذي كانت تحاول خلقه في بلاد اليونان، طراز المؤنسات اللاتي أصبح لهن بعد قليل شأن كبير في الحياة الأثينية. كانت أسبازيا امرأة تأبى العزلة التي يفرضها الزواج على النساء في أثينة، وكانت تفضل أن تعيش معيشة الاختلاط الجنسي غير المشروع بل الاختلاط الجنسي المطلق إلى حد ما إذا كان هذا يمكنها من أن تستمتع بحرية الحركة وبالحرية الخلقية اللتين يستمتع بهما الرجال، وأن تشترك معهم في الأعمال الثقافية. وليس لدينا من الأدلة ما نستند إليه إذا شئنا أن نقدر جمال أسبازيا، وإن كان الكتّاب القدامى يتحدثون عن "قدمها الصغيرة المقوسة إلى أعلى" وعن "صوتها الفضي" وشعرها الذهبي (٢١)، وإن كان أرستفنيز، وهو عدو سياسي لدود لبركليز، لا يؤنبه ضميره لتوجيه أية تهمة له، يصفها بأنها عاهر من ميليطس، أنشأت بيتاً فخماً للدعارة في مجارا، ثم جاءت في ذلك الوقت ببعض فتياتها إلى أثينة. ويشير كاتب الملاهي العظيم من طرف خفي إلى أن النزاع الذي قام بين أثينة ومجارا والذي عجل إشعال نار حرب البلوبونيز كان سببه أن أسبازيا أقنعت بركليز بأن يثأر لها من المجاريين الذين اختطفوا بعض فتياتها (٢٢). لكن أرستفنيز لم يكن مؤرخاً، ولا يصح أن يوثق به إلا فيما لا يتصل بشخصه هو.

ولما وصلت أسبازيا إلى أثينة في عام ٤٥٠ افتتحت فيها مدرسة لتعليم البلاغة والفلسفة، وأخذت تشجع بجرأة عظيمة خروج النساء من عزلتهن، واختلاطهن بالرجال، وتربيتهن تربية عالية. والتحقت بمدرستها كثيرات من فتيات الطبقات العليا، وأرسل كثيرون من الأزواج زوجاتهم ليدرسن معها (٢٣).