القائد الأعلى المعروف باسم الاسترتجوس أوتوكراتور Strategos Autokrator أقوى رجال الحكومة؛ وإذا كان من المستطاع انتخابه لهذا المنصب أعواماً متتالية، فقد كان في وسعه أن يخلع على سياسة الدولة استمراراً في الأهداف لم يكن دستورها ليمكنها منه لولا هذا المنصب الدائم. وبفضله استطاع بركليز أن يجعل أثينة مدى جيل كامل ملكية دمقراطية، حتى استطاع توكيديس أن يقول عن السياسة الأثينية إنها دمقراطية بالاسم ولكنها حكومة يسيطر عليها أعظم مواطن في المدينة.
وكانت الخدمة في الجيش ملازمة لحق الانتخاب، فقد كان على كل مواطن أن يعمل في الجيش، وكان معرضاً حتى يبلغ الستين من عمره لأن يُجَنَّد للقتال في أية حرب تستعر نارها. ولكن الحياة الأثينية لم تكن حياة عسكرية، فلم يكن هناك تدريب عسكري يستحق الذكر بعد الفترة الأولى التي يقضيها الشاب في هذا التدريب، ولم يكن فيها اختيال بالحلل الرسمية أو تدخل من قبل الجند في أعمال السكان المدنيين. وكان الجيش في الميدان يتألف من فرق المشاة الخفيفة، وكانت كثرتهم من المواطنين الفقراء، يحملون الرماح والمقاليع؛ وفرق المشاة الثقيلة أو الهبليت، وتتألف من المواطنين الأغنياء الذين تمكنهم مواردهم من شراء الدروع والتروس والحراب؛ ومن فرق الفرسان وتتألف من كبار الأغنياء ذوي الدروع والخوذ، حملة الرماح والسيوف. وكان اليونان يفوقون الآسيويين في النظام العسكري، ولعل ما أحرزوه من انتصارات عسكرية مجيدة يرجع إلى أنهم جمعوا إلى الطاعة في الميدان محافظتهم الشديدة على استقلالهم في الشؤون المدنية. غير أنه لم يكن عندهم مثل إباميننداس وفليب ما تستطيع أن تسميه علم حرب، أو معرفة بفنونها وحركاتها العسكرية. وكانت مدنهم مسورة في العادة، وكان الدفاع عند اليونان- كما هو عندنا اليوم- أعظم أثراً من الهجوم؛ ولولا هذا لما كانت للإنسان حضارة يستطيع تسجيلها. وكانت الجيوش المحاصرة تأتي بكتل خشبية ضخمة معلقة بسلاسل، يشدون بها الكتل إلى الوراء ثم يدفعونها نحو