ما بلغته فيه من القوة والابتكار. وأقل ما يُقال في هذه الدمقراطية الفاسدة العاجزة أنها كانت مدرسة: لقد كان المقترع في الجمعية يستمع إلى أقدر الرجال في أثينة؛ وكان ذهن القاضي في المحكمة يُشحذ بإطلاعه على الأدلة ووزنها واستخراج ثمينها من غثها، وكان الموظف يصوغه ويشكله ما يُلقى عليه من تبعة وما يكسبه من تجارب، فينضج عقله وفهمه وقدرته على الحكم. وفي هذا يقول سمنيدس إن "المدينة معلمة الرجال"(٥٨). ولعل هذه الأسباب هي التي جعلت أثينة تقدر رجالاً من طراز إيسكلس، ويوربديز، وسقراط، وأفلاطون. لقد كان تقديرها لرجال من هذا الطراز هو الذي أوجدهم فيها. وفي الجمعية ودور القضاء تكوَّن نظارة دور التمثيل، وكانت هذه الدور على استعداد لاستقبال خير هؤلاء النظارة. ولم تكن هذه الدمقراطية الأرستقراطية نظاماً يفسح الطريق لكل إنسان ليفعل ما يحلو له كما أنها لم تكن رقيباً عتيداً على الأملاك والنظام فحسب؛ بل كانت تشجع بالمال المسرحيات اليونانية وتشيد البارثنون، وتعمل لرفاهية الشعب وتقدمه، وتهيئ له الفرص التي لا تمكنه "من أن يعيش فحسب، بل تمكنه من أن يعيش على خير وجه". ومن أجل هذا فإن التاريخ لا يجد حرجاً من أن يصفح عن جميع خطاياها.