عنه (٥٧). وكانت المدينة تحتفظ في الهيكل أيضاً بالمال الذي تؤديه للمواطنين لِيشاهدوا به المسرحيات والألعاب المقدسة.
تلك هي الدمقراطية الأثينية- أضيق الدمقراطيات وأكملها في التاريخ. لقد كانت أضيقها لقلة عدد من يشتركون في امتيازاتها، وأكملها لأنها تتيح لجميع المواطنين على قدم المساواة فرصة السيطرة بأنفسهم على التشريع وتصريف الشئون الإدارية. وتتكشف عيوب هذا النظام واضحة على مر الأيام، بل إن الناس قد أخذوا يتحدثون بها في أيام أرسطوفان. وكان من أظهر هذه العيوب التي كفرت عنها أثينة بخضوعها لإسبارطة، وفليب، والإسكندر، ورومة، أن قامت فيها جمعية لا تسأل عما تفعل، تدفعها عواطفها، فتقرر أمراً ما في أحد الأيام، لا يعوقها عائق من سابقة أو مراجعة، ثم تعود في اليوم الثاني فتندم أشد الندم على ما فعلت؛ وهي بندمها هذا لا تعاقب نفسها بل تعاقب من أضلوها؛ ومنها قصر السلطة التشريعية على الذين يستطيعون حضور الإكليزيا، وتشجيع الزعماء المهرجين، ونفي القادرين من الرجال نفياً أفقد المدينة عدداً كبيراً من خيرة كبرائها؛ وملء المناصب العامة بالقرعة والدور، وتغيير الموظفين في كل عام، وإشاعة الفوضى في الأداة الحكومية، ومنها نزاع الأحزاب الذي لم ينفك يُحدِث الارتباك في توجيه أعمال الدولة وشئونها الإدارية.
ولكن ما من حكومة إلا وهي ناقصة، منهكة، مقضي عليها آخر الأمر. وليس لدينا من الأسباب ما يحملنا على الاعتقاد بأن الملكية أو الأرستقراطية كانت تستطيع أن تحكم أثينة خيراً من حكومتها هذه، أو أن تحفظ عليها حياتها أطول مما حفظتها الدمقراطية؛ ولعل هذه الدمقراطية المختلة النظام، دون غيرها من أنواع الحكم، هي التي استطاعت أن تطلق تلك الطاقة التي رفعت أثينة إلى أسمى مقام بلغته أمة أخرى في التاريخ. ذلك أن الحياة السياسية، داخل نطاق المواطنية، لم تبلغ قبل ذلك العهد أو بعده،