الجهود، وهذه أهم في نظرهم من حق الانتخاب. ولهذا كانت أهم الأعمال الصناعية- خارج نطاق التعدين- ملكاً لهؤلاء الغرباء الأحرار، فصناعة الخزف بأكملها كانت في أيديهم، وكانوا يوجَدونَ كلما استطاع الوسطاء أن يحشروا أنفسهم بين المنتج والمستهلك. وكانت شرائع البلد تضايقهم وتحميهم، فكانت تفرض عليهم من الضرائب ما تفرضه على المواطنين، وتُلزمهم بأن يؤدوا خدمات شخصية للدولة، وتجندهم للخدمة العسكرية، وكانوا يؤدون لها ضريبة الفرضة؛ ولكنها كانت تُحرم عليهم امتلاك الأرض والزواج من أسر المواطنين، ولا تسمح لهم بالانضمام إلى الهيئات الدينية أو الالتجاء بأنفسهم إلى المحاكم.
ولكنها كانت ترحب بهم في حياتها الاقتصادية، وتقدر لهم جدهم وحذقهم، وتنفذ لهم عقودهم، وتترك لهم حريتهم الدينية، وتحمي أموالهم من الثورات العنيفة. وكان منهم من يباهون بثروتهم مباهاة سمجة، ولكن كان منهم أيضاً من يشتغلون بالعلوم، والآداب، والفنون، ويمارسون مهنة الطب أو القانون، أو يُنشئون مدارس لتعليم البلاغة والفلسفة، وهم الذين أمدوا بالمال مؤلفي المسرحيات الهزلية في القرن الرابع، وكانوا هم موضوع هذه المسرحيات، وأصبحوا في القرن الثالث هم المثال المُحتذى في آداب المجتمع الهلنستي. وكان حرمانهم من حقوق المواطنة يؤلمهم ويحز في نفوسهم، ولكنهم كانوا يحبون أثينة ويفخرون بانتسابهم إليها، ويؤدون على مضض كثير من الأموال التي تحتاجها للدفاع عن نفسها ضد أعدائها. ومن مال هذه الطبقة استمد الأسطول معظم حاجته؛ وكانت هي عماد الإمبراطورية الأثينية، وبفضلها احتفظت أثينة بتفوقها التجاري على سائر بلاد اليونان.
وكان يشارك الغرباء في الحرمان من بعض الحقوق السياسية، وفيما يتاح لهم من الفرص الاقتصادية، العتقاء، أي الذين كانوا من قبل عبيداً. ذلك أن الأمل في الحرية حافز اقتصادي قوي للعبد الشاب وإن لم يكن من السهل المألوف أن يُعتق العبد لأن عبداً آخر يجب أن يحل في العادة محله؛ لكن كثيرين من اليونان