الخامس. وكانت النقود المتداولة في أثينة كغيرها من المدن تزيد اسرع مما تزيد البضائع، ولهذا كانت الأثمان ترتفع؛ فكانت أثمان السلع في آخر القرن الرابع خمسة أمثال ما كانت عليه في بداية القرن السادس؛ وقد تضاعفت هذه الاثمان ضعفين من عام ٤٨٠ إلى ٤٠٤ ثم تضاعفت مرة أخرى من ٤٠٤ إلى ٣٣٠.
وكان في وسع الرجل الفرد أن يعيش عيشة راضية بمائة وعشرين درخمة) ١٢٠ ريال أمريكي (في الشهر؛ ومن هذا نستطيع أن نحكم على حال العامل الذي كان يكسب ثلاثين درخمة في الشهر ويعول أسرة. ولسنا ننكر أن الدولة كانت تبادر إلى معونته في الأزمات الشديدة فتمده بالحبوب بثمن اسمي؛ ولكنه كان يشاهد أن ربة الحرية ليست صديقة لربة المساواة، وأن الشرائع الحرة في أثينة كانت تمكن القوي من أن يزداد قوة، والغني من أن يزداد غنى، أما الفقير فكان يبقى في ظلها (١) فقيراً.
ومن الحقائق المعروفة أن الفردية تحفز القادرين إلى العمل، وتنزل بالسذج، وأنها تُنشئ الثروات الضخمة، وتركزها تركيزاً وخيم العاقبة. ولذلك كان المهرة الحاذقون في أثينة، كما كانوا في غيرها من الدول، يحصلون من الثروة كل يستطيعون تحصيله، ثم يحصل أوساط الناس ما يتبقى من هؤلاء. وكان مالك الأرض يفيد من ارتفاع ثمن أرضه المطرد؛ وكان التاجر لا يدخر جهداً، رغم ما فُرض عليه من القيود التي لا تحصى لاحتكار الأصناف أو ابتياع كل ما هو معروض منها في الأسواق ثم التحكم في أثمانها على هواه. وكان المضارب ينال حصة الأسد من أرباح الصناعة
(١) ولا حاجة إلى القول بأن الثروة العظيمة عند اليونان الأقدمين تعد متواضعة إذا قدرت بمعايير هذه الأيام، فقد قيل إن كلياس أغنى أغنياء الأثينيين كان يمتلك مائتي وزنة (٠٠٠ ر ٢٠٠ ر ١ ريال أمريكي) وإن نيشياس كان يمتلك مائة وزنة.