في نظر الناس ستاراً يخفي وراءه خور العزيمة؛ والقدرة على رؤية جميع نواحي مسألة من المسائل عجزاً عن العمل في واحدة منها …
وكان مصدر هذهِ الشرور كلها هو الجري وراء السلطان المنبعث من الشره والطمع … واندفع الزعماء في المدن يطلبون لأنفسهم الجزاء الأوفى من المنافع العامة التي يتظاهرون بالحرص عليها مستعينين على ذلك بأجمل العبارات التي يلقونها في الآذان، يدعون فيها إلى المساواة السياسية بين الناس تارة، وبضرورة قيام أرستقراطية معتدلة تارة أخرى ولم يكن هؤلاء يترددون في استخدام أية وسيلة توصلهم إلى السلطان، فكانوا لذلك يرتكبون أشنع الجرائم … ولم تكن طائفة من الطائفتين المقتتلتين توقر الدين، وكان استخدام العبارات المنمقة للوصول بها إلى الغايات الإجرامية هي الوسيلة المحببة لسائر الناس … وكانت البساطة القديمة التي كان للشرف فيها أكبر نصيب موضع السخرية، ومن أجل هذا لم يعد لها وجود، وانقسم المجتمع إلى معسكرين لا يثق فيهما واحد من الناس بزميله … وقضي بين هذين المعسكرين على الشيعة المعتدلة من المواطنين لأنها لم تشترك في الكفاح أو لأن الحسد كان يمنعها من أن تفر من الميدان … وقصارى القول أن العالم الهلني كله قد زُلزلت قواعده وتصدعت أركانه.
ولم تقضِ هذهِ الاضطرابات على أثينة لأن كل أثيني كان في قرارة نفسه فردي النزعة يحب الملكية الخاصة؛ ولأن الحكومة الأثينية قد وجدت في تنظيم الثروة والأعمال التجارية والصناعية تنظيماً معتدلاً طريقة عملية وسطاً بين النزعتين: الاشتراكية والفردية. ولم تخشَ الحكومة الإقدام على هذا التنظيم ووضع القواعد والقيود، فوضعت حداً على لبائنات العرائس؛ ونفقات الجنائز، وملابس النساء. وفرضت الضرائب على التجارة وأخضعتها لإشرافها، ووضعت أنظمة عادلة للمقاييس والموازين، وألزمت الناس بمراعاة واجب الأمانة والشرف على قدر ما تستطيع الحكومات أن تحد من دناءة